في أعقاب الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري، أعلنت بريطانيا أنها سترسل دعماً إلى البلدَين المنكوبَين، فيما نُقل عن مسؤولين في وزارة خارجيّتها قولهم إن فريق بحث وإنقاذ مكوّناً من 77 شخصاً، معزَّزاً بمعدّات متخصّصة وآليات ثقيلة، يشارك بالفعل في العمليات على الأرض ضمن إقليم هاتاي (الإسكندرون)، وإن شحنات متتابعة من مواد حيوية مثل الأدوية والخيام والبطانيات ستصل إلى هناك تباعاً، كجزء من استجابة المملكة لتغطية حاجات الطوارئ لِما يصل إلى 15 ألف شخص على الأقلّ. كما عُلم أن لندن بصدد تجهيز فريق ضخم من الأطبّاء الذين سيرسَلون إلى تركيا تالياً مزوَّدين بالقدرات والمعدّات الجراحية اللازمة للتعامل مع إصابات. في المقابل، تجاهلت الحكومة البريطانية تماماً الحاجة الماسّة إلى المساعدة في الجانب السوري، واكتفى وزير خارجيتها، جيمس كليفرلي، بذكر سوريا في سياق تبجُّحه بإرسال الدعم الإنساني إلى المتضرّرين، قاصداً تحديداً بعض المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلّحة، قبل أن يَصدر بيان عن وزارته لاحقاً يفيد بأن بريطانيا التزمت تقديم تمويل إضافي لا يقلّ عن ثلاثة ملايين جنيه إسترليني (3.65 ملايين دولار) لدعم عمليات الإغاثة الطارئة، وذلك عبر منظّمة «الخوذ البيضاء» حصراً. والمنظّمة المذكورة أسّستْها وتُموّلها بريطانيا في إطار مشاركتها الفاعلة في الحرب في سوريا، لتعمل كواجهة مدنية في خدمة المسلّحين، وتُشارك بكثافة في الحملة الإعلامية ضدّ الدولة السورية.السياسة البريطانية في كيْل المساعدات بمكيالَين، وفرْز السوريين بناءً على طبيعة السلطة في مناطقهم، من دون النظر إلى الحاجات الإنسانيّة الماسّة لجميع السكّان، تتكرّر بحذافيرها في برلين وباريس وبروكسل وغيرها من العواصم الأوروبية، إذ أرسلت ألمانيا إلى تركيا فريقَين متخصَّصين في عمليات البحث والإنقاذ، إضافة إلى 25 من رجال الشرطة الاتّحادية بينهم أطبّاء ومسعفون ومدرّبون للكلاب للمساعدة في العثور على ناجين تحت الأنقاض، فضلاً عن 82 طنّاً من مواد الإغاثة التي نقلها الجيش الألماني بصفة عاجلة. كذلك، ثمّة منظّمات غير حكومية ألمانية، يساعد بعضها في إدارة وصول المساعدات الدولية عبر مطار أضنة، في حين تعدّ برلين الآن لإرسال فرق طوارئ طبّية وفق حاجة الجانب التركي، وتخطّط لمشاريع إسناد وإيواء عبر الصليب الأحمر الألماني. أمّا في ما يتعلّق بسوريا، فقد تجاهلت ألمانيا تماماً الوضع الكارثي هناك، واكتفت مصادرها بالقول إنه «يتمّ النظر إلى ما يمكننا القيام به للمساعدة في شمال غرب سوريا (منطقة إدلب)»، علماً أن برلين تُعدّ ثاني أكبر داعم مالي للمنطقة الخارجة عن سلطة الحكومة في دمشق - بعد واشنطن -، ولديها روابط (وثيقة) مع المنظّمات غير الحكومية الناشطة هناك. وفي وقت لاحق، تعهّدت الحكومة الألمانية بزيادة دعمها بمقدار 26 مليون يورو إضافية للمساعدة في التعامل مع آثار الزلزال الأخير، معلِنةً أنها ستسند جهود الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
وقبل الكارثة، كان الحلفاء الغربيون والعرب يرسلون إمدادات إلى مناطق سيطرة المسلّحين عبر معبر حدودي واحد مفتوح - باب الهوى -، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2672. لكن هذا المعبر تَضرّر وتعطَّل مؤقّتاً بسبب الكارثة، قبل أن يعاد فتحه بشكل جزئي (الخميس)، ومع ذلك، فإن الأضرار الأوسع نطاقاً التي لحقت بالبنية التحتية اللوجستية في جميع أنحاء جنوب تركيا تعني أن إرسال أيّ مساعدات كبيرة عبر أنقرة سيمثّل تحدّياً كبيراً لبعض الوقت. وتريد بعض العواصم الأوروبية فتْح نقاط عبور حدودية جديدة عبر الشمال السوري للوصول إلى إدلب، لكنها تحتاج إلى التوصّل إلى اتّفاق جديد في مجلس الأمن، وهو ما يتطلّب ضوءاً أخضر روسياً، لا يبدو أن موسكو ستمنحه بسبب التوتّرات مع الغرب حول حرب أوكرانيا، فضلاً عن رغبتها الدائمة في قصْر مرور المساعدات الدولية على بوّابة دمشق.
السياسة البريطانية في كيْل المساعدات بمكيالَين، تتكرّر بحذافيرها في برلين وباريس وبروكسل


باريس، بدورها، اتّبعت النهج البريطاني - الألماني ذاته، إذ أورد بيان للسفارة الفرنسية في لندن أنه بناءً على طلب الرئيس إيمانويل ماكرون، فقد استجابت فرنسا على الفور لطلب تركيا الحصول على المساعدة الدولية. وبحسب البيان، تعمل في تركيا مفرزتان فرنسيتان للبحث والإنقاذ، تشملان ما مجموعه 143 شخصاً، بالإضافة إلى فريق من مركز الأزمات والدعم، وموظف فرنسي ضمن فريق التنسيق الأوروبي الموفد إلى المنطقة، كما ستصل تباعاً فرق طبّية لتشغيل مستشفى ميداني، وفريق متخصّص بإدارة اللوجستيات المعقّدة، فضلاً عن تقديم دعم عيني ومالي لمنظّمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر العاملة على الأراضي التركية لتمكينها من تنفيذ عمليات إيواء المشرّدين. أمّا في ما يتعلّق بسوريا، فستكتفي باريس بتقديم 12 مليون يورو إضافية لدعم سكّان الشمال الغربي، عبر المنظّمات غير الحكومية المحلّية والغربية والأمم المتحدة.
من جهته، عبّأ الاتحاد الأوروبي فِرق البحث والإنقاذ من الدول الأعضاء، بما مجموعه أكثر من 1000 عامل طوارئ و70 كلباً بوليسياً، أُرسلوا على الفور إلى تركيا التي تقدّمت بطلب عاجل للمساعدة عبر آلية الحماية المدنية للاتحاد. والآلية المذكورة تأسّست لتنسيق استجابة دول التكتّل عندما تطغى حالة طوارئ على قدرات الاستجابة لبلد ما في أوروبا أو خارجها، وتتقدّم حكومته بطلب للإغاثة. ومع أن سوريا وجّهت الطلب نفسه، إلّا أن المفوضية الأوروبية لم ترسل شيئاً إلى دمشق بعد، في ظلّ إصرار عنيد على عدم تجاوُز العقوبات الأوروبية المفروضة على الدولة السورية منذ عام 2011. لكن أنباء تردّدت لاحقاً عن أن المفوضية ستعرض على الدول الأعضاء «إمكانية الاستجابة بشكل إيجابي لطلب دمشق»، ربّما عبر توفير مساعدات عينيّة لا تتعارض جذريّاً مع العقوبات المفروضة. لكن الراعي الأساس للحصار على سوريا، أي الولايات المتحدة، ما زال يرفض وبشدّة رفْع العقوبات، ويطالب الحكومة السورية بفتح المزيد من المعابر الحدودية لإيصال المساعدات.
ومع التضاؤل الحادّ في فُرص العثور على ناجين بعد مرور خمسة أيام على الكارثة، فإن العدد القليل من فِرق الإنقاذ الدولية التي أُرسلت عبر دمشق، عنى حرفياً ترْك المزيد من الأشخاص الذين كان يمكن إنقاذهم، لمواجهة الموت. وتقول التقديرات إن عدّة ملايين في سوريا تضرّروا من الزلزال، كثيرون منهم كانوا يعيشون بالفعل في حالة يرثى لها للغاية، ويعانون بشدّة من درجات الحرارة المتدنّية في فصل الشتاء، فضلاً عن نقص حادّ في إمدادات الغذاء والوقود بسبب سلسلة من العقوبات الأوروبية والأميركية التي تلتزم بحرفيّتها غالبية دول العالم، وتُضاعف من آثارها سلسلة السرقات المتتابعة للنفط السوري، التي تقوم بها قوات الاحتلال الأميركي شرقيّ البلاد. وفي ظلّ فرْض قيود خانقة على التجارة مع دمشق، ومنْع التحويلات المالية وتعطيل الطيران المدني إليها، والتدمير المتعمّد لمطاراتها من قِبَل الطائرات الإسرائيلية، فإن الحكومة المركزية بحاجة ماسّة إلى مساعدات نوعية لإدارة المرحلة تشمل الآليات الثقيلة، وسيّارات النقل الكبيرة والإطفاء والإسعاف، ناهيك عن متطلّبات الإيواء المؤقّت ومعدّات البناء والوقود والمواد الغذائية. والجدير ذكره، هنا، أن أكثر من عقد من الحرب والحصار تسبّب في إضعاف المرافق الصحّية الحكومية والصناعات الدوائية المحلّية وخدمات البنية التحتية، ما يضع أكثر من 90% من السوريين في نطاق الحاجة الماسّة إلى المساعدة الإنسانية.