موسكو | تقترب الحرب الروسية في أوكرانيا من إنهاء عامها الأول، على وقع متغيّرات كبيرة لمصلحة موسكو في جبهة دونيتسك، حيث تشتدّ المعارك على أكثر من محور، وسط إقرار الجانب الأوكراني بأن الوضع يزداد صعوبة. وتتركّز المعارك خصوصاً في مدينة أرتيوموفسك (باخموت)، ولا سيما في الأحياء الشمالية، وفي شمال شرقي وجنوب المدينة، حيث أصبح الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة إلى القوات الأوكرانية. ومع اقتراب القوات الروسية من تطويق باخموت، وفق ما تؤكد قوات «جمهورية دونيتسك الشعبية» الموالية للروس، يبقى أمام القوات الأوكرانية الطريق السريع المؤدّي إلى تشاسوف يار، والذي تُنقَل عبره التعزيزات العسكرية للجنود في المدينة المحاصَرة. وقد أكد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، أن الوضع في باخموت وأوغليدار وكراسني ليمان وغيرها من جبهات دونباس، «صعب جدّاً ويزداد تعقيداً»، إذ تدرك كييف أن الإبقاء على أرتيوموفسك تحت سيطرتها، أمر بالغ الصعوبة، وهو ما تبيّنه إشارة مستشار الرئيس، ميخائيل بودولاك، إلى أن بلاده «تدفع ثمناً باهظاً» للدفاع عن المدينة.ويشير خبراء عسكريون روس، في هذا السياق، إلى أنه «أمام القوات الأوكرانية فرصة، الآن، للانسحاب عبر الطريق السريع إلى تشاسوف يار»، في حين أن أمام كييف خيارَين صعبَين: فإمّا الدفع بآخر جندي لمحاولة الإبقاء على سيطرتها على المدينة في انتظار وصول الدبابات الغربية وخصوصاً «ليوبارد 2» الألمانية؛ وإمّا الانسحاب من المدينة لإنقاذ قواتها والاستعداد لهجوم مضادّ في الربيع. ويحذّر الخبراء من أن عامل الوقت لا يصبّ في مصلحة الأوكرانيين، خصوصاً في حال نجاح القوات الروسية في السيطرة على باراسكوفيفكا - وذلك مرجّح في الأيام القليلة المقبلة -، وتحرّكها جنوباً على طول خطّ السكك الحديد إلى محطّة ستوبكي، ما سيعني عمليّاً استحالة سحْب القوات المحاصَرة من المدينة. وفي هذا الإطار، نقلت مجلة «إيكونومست» عن قائد عسكري أوكراني في المدينة، قوله إنه «لو كان القرار يعود إليه، لكنت تخلّيت عن المدينة». وتلفت، نقلاً عن قيادات أخرى في باخموت، إلى أن قوات كييف «ليست لديها أسلحة كافية لشنّ هجوم مضادّ واسع النطاق»، والذي يعتمد على ثلاثة عوامل: الطقس، واستعداد القوات، وإمدادات الدبابات الغربية. ومن جهتهم، قال مسؤولون أميركيون وأوروبيون، لوكالة «بلومبرغ»، إن القادة الغربيين نصحوا كييف بالتخلّي عن أرتيوموفسك حالياً، واللعب على الوقت لتجميع القوات وانتظار وصول دبابات «ليوبارد 2» من أجل شنّ هجوم مضادّ في الربيع.
هدّد ميدفيديف بـ«حرق ما تبقّى من أراضٍ أوكرانية في حال شنّ هجوم على شبه جزيرة القرم»


لكن، في المقابل، يُجمع خبراء روس على أن سقوط هذه المدينة بأيّ شكل «يعني انهيار خطّ مواجهة القوات المسلّحة الأوكرانية في جبهة دونباس»، بعدما حشدت كييف في جبهة باخموت عدد قوات ضخماً بشكل «تخطّى كلّ الحدود المعقولة في العلوم العسكرية». كذلك، وبالنظر إلى وتيرة تقدُّم القوات الروسية، فإنه لن يكون لدى نظيرتها الأوكرانية الوقت لإنشاء المنطقة الدفاعية المطلوبة حول تكتّل سلافيانسك - كراماتورسك - كونستانتينوفكا. وتترافق هذه التطوّرات الميدانية، مع حشد الغرب كلّ إمكاناته لتزويد أوكرانيا بالأسلحة المطلوبة، من دبابات وصواريخ بعيدة المدى، وسط تشديد روسيا على أنها ستستخدم هي الأخرى إمكاناتها وقدراتها للردّ على هذه الخطوات. وعلى رغم تأكيد موسكو أن تسليح كييف بالدبابات لن يغيّر من معادلات الميدان، إلّا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وجّه تحذيراً إلى الغرب من أن ردّ بلاده على التهديدات، «لن يقتصر على المدرّعات وحدها»، مشدّداً أنه «على الجميع فهم ذلك».
وبالتوازي، يتزايد الحديث عن نيّة كييف شنّ هجوم على شبه جزيرة القرم، مع إعلان القائم بأعمال وزير الداخلية الأوكراني، إيغور كليمينكو، عن بدء تشكيل ألوية هجومية خاصّة، من الجيش والشرطة وحرس الحدود الأوكراني، «للاستيلاء على شبه جزيرة القرم ودونباس». ويترافق ذلك مع حُزمة مساعدات عسكرية أميركية جديدة إلى أوكرانيا بقيمة 2.2 مليار دولار، تتضمّن خصوصاً قنابل صغيرة من نوع «GLSDB» متّصلة بصواريخ يتمّ إطلاقها من الأرض ويصل مداها إلى 150 كيلومتراً، من شأنها أن تمنح القوات الأوكرانية قدرة على استهداف الخطوط الخلفية للقوات الروسية ومخازن الذخيرة البعيدة من خطوط التماس، وفق بيان وزارة الدفاع الأميركية. وقال الناطق باسم «البنتاغون»، باتريك رايدر، إن «واشنطن تترك لتقدير كييف إمكانية استخدام قذائف بعيدة المدى في شبه جزيرة القرم».
وردّاً على هذه التطوّرات، هدّد رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، بـ«حرق ما تبقّى من أراضٍ أوكرانية تحت سيطرة كييف في حال شنّ هجوم على شبه جزيرة القرم»، مبيّناً، في تصريحات صحافية، أن «ردّنا يمكن أن يكون بكلّ الوسائل. لقد قال هذا بالتأكيد رئيس روسيا». وأوضح ميدفيديف أن بلاده لا تضع لنفسها أيّ قيود، واعتماداً على طبيعة التهديدات، «فهي مستعدّة لاستخدام جميع أنواع الأسلحة... وفقاً لوثائقنا العقائدية، بما في ذلك أساسيات الردع النووي... يمكنني أن أؤكد لكم أن الإجابة ستكون سريعة وصارمة ومقنعة».