تقلق التحرّكات العنصرية والمتطرّفة من جانب حكومة اليمين الإسرائيلية الجديدة، يهود العالم الموالين للصهيونية، وخصوصاً منهم يهود أميركا الذين يَعدّون ستة ملايين نسَمة. إذ حذّرت منظّماتهم النافذة في واشنطن، منذ ما قبل إبصار الائتلاف الفاشي الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو النور، من تأثير السياسات التي سيتّبعها الأخير على الدعم الذي تقدّمه هي لدولة الاحتلال. وخلال لقاء جمع ممثّلي المنظّمات اليهودية الأميركية الرئيسة التي تشكّل العمود الفقري للمجتمع المؤيّد لإسرائيل في أميركا، إلى رئيسة شعبة الشتات في وزارة الخارجية الإسرائيلية، شولي دافيدوفيتش، أرادت تل أبيب، عبر سفارتها حيث عُقد الاجتماع في السابع من كانون الأول الماضي، استطلاع «الحالة المزاجية» في المجتمع اليهودي الأميركي حيال التطوّرات السياسية في الكيان. لكن النتيجة جاءت على الشكل الآتي: «أجواء مشحونة»، و»نقاشات صعبة»، على ما سرّبته وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية نقلاً عن مصادر متعدّدة آنذاك. وأثار عدد كبير من الحاضرين مخاوف تتعلّق خصوصاً بمسألة «التعدديّة الدينية» والتعديلات المحتمل إدخالها على «قانون العودة» (يحدّد مَن له الحقّ في الهجرة إلى إسرائيل، علماً أنه حالياً، يحقّ لليهود وغير اليهود من الذين لديهم جدّ يهودي واحد على الأقلّ، أو زوج يهودي، أو زوجة يهودية، الحصول على الجنسية الإسرائيلية). وفي هذا الجانب، يؤيّد معظم أعضاء الائتلاف الحكومي، تضييق «قانون العودة» بحيث لا يُسمح لأحفاد اليهود وأزواجهم بالحصول على الجنسية الإسرائيلية.عكَس الاجتماع المُشار إليه القلق الذي يعتري المنظمات اليهودية الرئيسة في الولايات المتحدة في ظلّ «سياسة الحكومة تجاه يهود العالم والقيم الديموقراطية»، وفق ما قالوا هم أنفسهم، لا سيما وأن هذه الكابينة تضمّ في عضويّتها وزراء من أحزاب يمينية متشدّدة ودينية، هي خصوصاً «الصهيونية الدينية» و»القوّة اليهودية» و»شاس» و»يهودوت هتوراه»، إضافة إلى حزب «الليكود» اليميني بزعامة نتنياهو. وفي هذا السياق، يرى الحاخام ريك جاكوبس، رئيس «الاتحاد من أجل إصلاح اليهودية»، أكبر حركة يهودية في الولايات المتحدة، أن تعيين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وزيرَين في الحكومة «يهدّد علاقات إسرائيل بيهود العالم، وقد يؤدّي إلى تضرُّر العلاقات بالإدارة الأميركية»، معلّلاً تحذيره بالقول إن «بن غفير وسموتريتش صنعا مهنة سياسية من الكراهية والعنف. وبما أنّنا نحبّ إسرائيل ونؤمن بها كدولة يهودية وديموقراطية، نحن قلقون جدّاً على وجودها ومكانتها في العالم»، مشيراً إلى أن البيت الأبيض يعارض وجود المذكورَين في الحكومة، وقد لا يَسمح لهما بدخول الولايات المتحدة. ويقول جاكوبس إن «غالبية اليهود الأميركيين ينظرون اليوم برعب إلى سياسات الحكومة في الضفة الغربية، وحربها على القضاء، والكراهية الواضحة جداً لليهود غير الأرثوذكس. حتى الآن، لم تتحدّث أيّ حكومة إسرائيلية عن تغيير شروط قانون العودة الذي كفل لليهود، منذ تأسيس إسرائيل، الحقّ في الانتقال إليها، وأن يصبحوا مواطنين، ممّا يوفّر لهم ملجأً من الاضطهاد الذي افتقر إليه اليهود في ذروة الهولوكوست». ويتساءل: «كيف أصبح هذا فجأة وقتاً لتقييد الهجرة؟».
ومع تعمُّق انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين أكثر، يسير المزيد من اليهود الأميركيين في الاتجاه المعاكس. ويجلّي ما تقدَّم استطلاع للرأي أجراه «صندوق رودرمان»، أخيراً، على عيّنة من اليهود الأميركيين، الذين أكد العديد منهم أن «الصلة الخاصّة التي تربطهم بإسرائيل آخذة في التآكل». ولدى سؤالهم عن الأسباب المركزيّة لهذا التآكل، ذكروا: «صعود نفوذ أحزاب اليمين المتطرّف وأحزاب اليهود الحريديم (32%)، السياسة التي تنتهجها إسرائيل حيال الفلسطينيين (24%)، العلاقات الحميمة التي نشأت بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب (24%)، وتوسُّع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ عام 1967». ويتساوق هذا التآكل مع تآكل «التضامن اليهودي»، كما يُظهر «مؤشر الديموقراطية الإسرائيلية» الذي يتولّى إعداده «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية». ويقول جيريمي بن عامي، رئيس جماعة «جاي ستريت» «الليبرالية» المؤيدة لإسرائيل في واشنطن: «هذا مفترق طرق مهمّ للغاية. احتمالية اتّخاذ إجراءات محدّدة من قِبَل هذه الحكومة، هذه هي اللحظات التي تبدأ فيها العلاقة بين غالبية اليهود الأميركيين ودولة إسرائيل بالتوتّر. لذا، فأنا خائف للغاية».
لكن ثمّة مَن يعتقد أن هذه المنظمات، وعلى رغم المخاوف التي عبّرت عنها، لم تفعل الكثير للضغط على الحكومة الأميركية لتغيير دعمها غير المشروط لإسرائيل، مع استثناءٍ واحد ملحوظ، متمثّل في «جاي ستريت»، التي تعكس وجهات النظر السياسية لمعظم اليهود الأميركيين (حوالى 70% منهم يصوّتون للديموقراطيين، وغالبية واضحة منهم تؤيّد حلّ الدولتين و»المُثل الديموقراطية الليبرالية»). وبالنسبة إلى بن عامي، فإن الحكومة الأميركية «يجب أن تُعامل إسرائيل مثل أيّ دولة أخرى (...) يجب أن تخضع إسرائيل للعواقب مثلها مثل الدول الأخرى». وفي ما يتعلّق بالمساعدة المالية التي تقدّمها واشنطن لتل أبيب سنويّاً، يتابع: «هذه الأموال تُقدّم لتعزيز الأمن وليس لتقويضه. يجب أن تقوم حكومتنا بالإشراف لمعرفة كيفيّة إنفاق هذه الأموال. هل تذهب لإسرائيل لمواصلة سياسات احتلالها في الضفة الغربية؟ للمساعدة في هدم القرى الفلسطينية؟ هذا لا يعزّز الأمن الأميركي». أمّا «إيباك» فقد رحّبت بحماسة مفرطة بحكومة «بيبي» الجديدة، والتي من خلال احتضانها لنتنياهو كما ترامب «قطعت ارتباطها بغالبية اليهود الأميركيين».