رام الله | لم تُكمل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية شهرها الأوّل، حتى بدأت تغلي في «مرجل» الخلافات والصدامات الداخلية، وهو ما من شأنه أن يُلقي بظلاله على عمرها. وتزامناً، تقود الولايات المتحدة حراكاً سياسياً لتحجيم مخطّطات أقطاب «الصهيونية الدينية» في الحكومة، والتي سُجِّلت أولى انتكاساتها بخضوع نتنياهو إلى قرار محكمة الاحتلال العليا بإقالة وزير الداخلية، أرييه درعي، من منصبه، يوم أمس.وعلى هامش زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، إلى إسرائيل، سُجّلت أولى المواجهات المباشرة بين وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانط، ووزير المالية بتسلئيل سموطريتش، على خلفية إخلاء بؤرة «أور حاييم» التي أُقيمت، ليل الخميس/ الجمعة، تيمّناً بحاخام «الصهيونية الدينية»، حاييم دروكمان، على أراضي قرية جوريش في محافظة نابلس، وذلك على رغم مطالبات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وسموطريتش، غالانط بعدم الإخلاء. وأَلقى هذا الصدام بأثره على الجلسة الحكومية التي عُقدت، أمس، وقاطعها وزراء حزب «الصهيونية الدينية»، فيما تأخّر عنها رئيس «حزب شاس» أرييه درعي، الذي صدر في حقّه قرار من محكمة الاحتلال العليا بمنْع تولّيه أيّ منصب وزاري، وهو الأمر الذي تجاهله نتنياهو في كلمته الافتتاحية، بينما قرّر، خلال الجلسة المغلقة، إقالته من منصبه امتثالاً لقرار المحكمة.

أزمة داخل «الائتلاف»
بدا واضحاً تجاهُل نتنياهو للملفّات التي وَضعت حكومته في مِرجل الغليان في مستهل جلسة الحكومة، إذ لم يتطرّق إلى ملفّ درعي وقرار المحكمة العليا إقالته، وامتناع وزراء «الصهيونية الدينية» عن حضور الاجتماع، أو توسُّع التظاهرة الأسبوعية ضدّ حكومته التي جرت في تل أبيب، بمشاركة أكثر من 130 ألف شخص، بل هو اكتفى فقط بالحديث عن نتائج مباحثاته مع سوليفان حول أهميّة توسيع اتفاقات التطبيع مع الدول العربية، وتحديداً السعودية، والتحدّيات الأمنية الإقليمية التي تواجهها دولة الاحتلال، وخصوصاً من جانب إيران.
ومن شأن إقالة درعي، معطوفةً على الخلاف بين سموطريتش وبن غفير من جهة، وغالانط من جهة أخرى، أن يلقيا بظلالهما على مستقبل حكومة نتنياهو، والتفاهمات التي أُبرمت وقادت إلى تشكيلها، في ظلّ تضارب الصلاحيات، ودعْم رئيس الحكومة توجّهات وزير الأمن، استجابة للضغوط الأميركية الممارَسة عليه. وفي هذا السياق، قالت صحيفة «إسرائيل اليوم»، إن وراء عملية إخلاء البؤرة الاستيطانية، كان طلب مستشار الأمن القومي الأميركي، الحفاظ على الهدوء على الساحة الفلسطينية، على رغم أن هذا الصدام قد لا يطيح الحكومة في الوقت الراهن، لكنه يشكّل خطوة أولى على طريق تصدُّع «الائتلاف».
وعلى رغم رضوخ بن غفير وسموطرتيش قسراً لقرار غالانط إخلاء البؤرة الاستيطانية، إلّا أنهما سيثيران العديد من الملفّات في تحدٍّ لرئيس الحكومة ووزير الأمن. وسيطلب وزير الأمن القومي، خلال جلسة الحكومة، إخلاء الخان الأحمر في أسرع وقت ممكن، على القاعدة التي انطلق منها غالانط في إخلاء البؤرة الاستيطانية، وهي تنفيذ القانون (يُفترض أن تقدِّم الحكومة، بحلول نهاية الشهر الجاري، ردّها إلى المحكمة العليا حول عدم تنفيذ الإخلاء). وبحسب تعليق المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» على التوتّرات الحكومية التي صاحبت إخلاء البؤرة الاستيطانية في شمال الضفة الغربية، فإن ذلك «كان متوقّعاً، فهذا الحدث ليس سوى بداية لأحداث مقبلة، الفجوات في هذه الحكومة كبيرة جداً، فتعليمات سموطريتش حدث صغير يمثّل التعقيد داخل هذه الحكومة». أما المعلّق العسكري، يوسي يهوشوع، فقال: «كان واضحاً أننا في مسار تصادمي، لا يمكن أن يكون للجيش الإسرائيلي قائدان، ففي ساحة حسّاسة مثل الضفة الغربية، يصبح كل حدث تكتيكي حدثاً استراتيجياً ضخماً».
انخفضت نسبة المتفائلين في ما يتعلّق بمستقبل الكيان، إلى 49%


مواقف دولية رافضة لتوجّهات الحكومة
التحرّك الأميركي لِلَجم اندفاعة حكومة نتنياهو التي ستتوَّج في الأسابيع المقبلة بزيارة وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ترافق أيضاً مع رسائل أوروبية ردّاً على مخطّطات بن غفير لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، بعد زيارة قام بها نحو 30 ديبلوماسياً غربياً إلى «الأقصى» برفقة الأوقاف الإسلامية، في خطوة أغضبت إسرائيل التي وجّهت انتقادات شديدة للاتحاد الأوروبي والدول التي شارك ديبلوماسيوها في الجولة التي جرت من دون التنسيق مع إسرائيل وبتجاهل كامل لها. وجاءت الجولة بعد ساعات فقط من اعتراض شرطة الاحتلال للسفير الأردني في تل أبيب، ومنْعه من دخول المسجد الأقصى. وكتبت القنصلية البريطانية عبر حسابها في «تويتر»: «شاركنا في جولة في المسجد الأقصى مع ديبلوماسيين يتّفقون مع وجهات نظرنا لإظهار دعمنا للوصاية الأردنية على الأماكن المقدّسة المسيحية والإسلامية في القدس. إنّنا نواصل دعْم الوضع الراهن التاريخي الذي يسمح للأديان الإبراهيمية الثلاث بالعمل في المدينة القديمة».
وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية، قوله إن «هذه زيارة غير مسؤولة، ويمكن أن تؤدّي إلى استفزاز وتحريض. وزارة الخارجية عملت وتواصل العمل عبر القنوات الديبلوماسية لمنْع الخطوات التي من شأنها أن تؤدّي إلى التصعيد، وأوضحت للاتحاد الأوروبي الخطورة التي تراها في هذه الزيارة». وتحمل زيارة الديبلوماسيين رسائل عدة لإسرائيل: التأكيد أن الأردن هو الوصي على المسجد الأقصى، ورفض مزاعم السيادة الإسرائيلية عليه، ورفض اقتحام بن غفير للأقصى الذي جرى قبل أسبوعين، كما رفض تغيير الوضع الراهن.

تزايد التظاهرات ضدّ الحكومة
وكما كان متوقّعاً، ازدادت حدّة التظاهرات المناوئة لحكومة نتنياهو؛ فقد تظاهر، مساء السبت، حوالى 130 ألف شخص في تل أبيب، وأمام منزل الرئيس في القدس، وأمام مبنى البلدية في بئر السبع، وفي مركز حوريف في حيفا، بمشاركة رئيس المعارضة يئير لابيد، ووزير الأمن ورئيس الأركان سابقاً، موشيه يعالون، والرئيس السابق لـ«الشاباك» عامي أيالون. ويتّهم المحتجّون، ائتلاف نتنياهو بالانقلاب على النظامَين القضائي والقانوني لتبرئة ساحة قادته المتّهمين والمدانين بتهم تشمل الفساد وتبييض الأموال، ويرفضون خطط الحكومة للحدّ من سلطات القضاء. وقال لابيد: «ما نراه هنا اليوم هو تظاهرة تأييد للدولة. تظاهرة للدفاع عن الدولة، أتى إلى هنا اليوم أناس يحبّون الدولة للدفاع عن ديموقراطيتها ومحاكمها والدفاع عن فكرة الحياة المشتركة والصالح العام. يتواجد هنا عشاق إسرائيل الذين جاؤوا للتظاهر من أجل دولة يهودية ديموقراطية وفق قيم وثيقة الاستقلال، ولن نستسلم حتى ننتصر». من جهته، اعتبر يعالون أن «الدولة التي يُعين فيها رئيس الوزراء جميع القضاة، ويكون مسؤولاً عن ترقيتهم وعزْلهم، لها اسم واحد - إنها تسمّى ديكتاتورية. وعندما يكون رئيس الوزراء هذا متهمّاً، أيضاً، وتتّهمه دولة إسرائيل بارتكاب جرائم خطيرة، يسمى - دكتاتورية المجرمين. التشريع الذي يحوّل إسرائيل إلى ديكتاتورية، يكون فيها المتّهم بارتكاب جرائم هو الذي يعيّن القضاة - من الواضح أنه تشريع غير قانوني».
وتشير المعطيات على الأرض إلى أن التحدّيات التي تعصف بحكومة نتنياهو لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، بل ستزداد سخونة بما قد يترتّب عليها نتائج تخلخل أركانها، إذ يَظهر أن الاحتجاجات الداخلية ضدّ الحكومة تزداد زخماً أسبوعاً بعد آخر، كما أن أطماع بن غفير وسموطريتش وإصرارهما على حيازة صلاحيات ذات علاقة بالشرطة والاستيطان ستصطدم بمحاولة نتنياهو وغالانط عدم إثارة غضب المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة، وتحديداً في ملف ّالاستيطان. وانعكس أداء الحكومة على توجهات الرأي العام الإسرائيلي، إذ أَظهر استطلاع للرأي نشره «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» أن هناك تشاؤماً كبيراً في صفوف الإسرائيليين، خلال السنة الأخيرة، حول مستقبل الكيان، وأن عام 2022 شهد تراجعاً كبيراً في نسبة المتفائلين في ما يتعلّق بمستقبل الكيان، وانخفضت النسبة إلى 49%، وذلك في مقابل 76% في عام 2012، كما بيّن المؤشّر أن وضع إسرائيل العام، تمّ تصنيفه، بين المستوطنين، على أنه جيد جدّاً بين عامَي 2003 و2018، إلّا أن المؤشّر انقلب بين عامَي 2018 و2022، حيث بدأ بالتراجع من 53% إلى 25%.