موسكو | خطفت التطوّرات الميدانية في دونيتسك، وتحديداً في جبهة سوليدار، الأنظار، أمس، وسط تضارب في المعطيات حول ما يحصل في هذه المدينة الاستراتيجية. فبعد إعلان مالك شركة «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، سيطرة قوّاته على كامل سوليدار، واستمرار القتال في وسطها مع القوات الأوكرانية المحاصَرة، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن المعارك بين الجانبَين لا تزال متواصلة هناك، وأن قواتها طوّقت المدينة من مداخلها الشمالية والجنوبية. من جهتها، أعلنت سلطات «جمهورية دونيتسك الشعبية» المُعلَنة من جانب واحد، أن مقاتلي «فاغنر» بدأوا تمشيط سوليدار بعد سيطرتهم كليّاً عليها، وأن نحو 500 عسكري أوكراني ما زالوا محاصَرين في داخلها، فيما نشرت وسائل إعلام روسية، من بينها وكالة «ريا نوفوستي»، صورة قالت إنها لبريغوجين برفقة مقاتلين داخل أحد أنفاق مناجم الملح في المدينة.وعلى ضوء المعلومات المتضاربة، شدّد الكرملين على أهميّة عدم «التسرّع» في تأكيد «الانتصار» في سوليدار، في انتظار الإعلان الرسمي. وقال الناطق باسمه، دميتري بيسكوف، إن هناك «ديناميكية إيجابية في التقدُّم» في المدينة، لافتاً إلى أن «النجاحات التكتيكيّة مهمّة جدّاً بالطبع». ومن شأن السيطرة على سوليدار أن تشكّل منعرجاً مهمّاً في المعارك الدائرة على جبهة دونيتسك، وفق ما أكده القائم بأعمال رئيس «جمهورية دونيتسك الشعبية» غير المعترَف بها دولياً، دينيس بوشيلين، الذي أوضح أن السيطرة على المدينة تمهّد الطريق أمام «التحرير الكامل» لدونيتسك، وهو ما «سيهيّئ الظروف لتحرير مدينتَي أرتيومفسك وسيفيرسك والتوجّه نحو مدينتَي كراماتورسك وسلافيانسك»، مضيفاً إن «تحرير سوليدار مع باخموت وسيفيرسك، سيمكّن القوات الروسية من تدمير خطّ المواجهة على طول جبهة دونباس».
شدّد الكرملين على أهميّة عدم «التسرّع» في إعلان «الانتصار» في سوليدار


في المقابل، نفت القوات الأوكرانية صحّة ما يَنشره الجانب الروسي عن سقوط سوليدار، فيما أكدت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، أن الجيش ما زال يدافع عن مواقعه في المدينة، مشيرةً إلى أن القوات الروسية تُواصل القتال على رغم الخسائر الضخمة التي منيت بها. وأكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي، من جهته، صعوبة الوضع في جبهة دونيتسك. ووفق محلّلين عسكريين روس، فإن سوليدار تتمتّع بأهمية استراتيجية، وإن «تحريرها يفتح الطريق أمام تحرير كامل أراضي إقليم دونباس». ويبيّن هؤلاء أن موقع المدينة على بعد 10 كيلومترات من مدينة أرتيوموفسك الاستراتيجية، سيسهّل تقدُّم القوات الروسية للسيطرة عليها، فيما «بخسارة كييف سوليدار، تكون قد خسرت خطّ الدفاع عن هذه الجبهة، وهو ما سيؤدّي إلى تراجع الضغط الأوكراني في اتّجاه جبهة لوغانسك». ويضيف الخبراء إن «تحرير المدينة من شأنه أن يقطع خطوط الإمداد عن قوات كييف بين أرتيوموفسك - سيفيرسك»، كون سوليدار تشكّل عقدة لشبكة من الطرق والسكك الحديدية التي تُستخدم للإمداد. كذلك، يَسهل للمسيطِر على سوليدار الإشراف على خطوط الإمداد الاستراتيجية بين منطقتَي لوغانسك ودونيتسك، ما يعني تطويق مدينة باخموت من الشمال (تبعد 15 كيلومتراً عن سوليدار) وتعطيل خطوط الاتصال الأوكرانية. وإلى أهميتها العسكرية، تتمتّع سوليدار أيضاً بأهمية اقتصادية بحكْم وقوعها في منطقة دونباس الصناعية، فضلاً عن أنها تمتلك احتياطيات ضخمة من الملح مقدَّرة بنحو 13 مليار طن، تصدّرها إلى عشرات الدول. ولدى المدينة أيضاً شبكة كهوف تعدين الملح والجص تحت الأرض، والتي تمتدّ على مسافة أكثر من 160 كيلومتراً، وتستطيع استيعاب مجموعة كبيرة من الناس على عمق يراوح بين 80 و100 متر، كما يمكن الدبّابات وعربات المشاة القتالية التحرّك فيها أيضاً، وفق تصريحات بريغوجين.
على خطّ مُوازٍ، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن بلاده ستزيد من قدرتها الدفاعية لضمان أمن العمليات، على أن تُواصل تنفيذ البرامج الاجتماعية والاقتصادية على نطاق واسع. وقال بوتين، خلال اجتماعه مع أعضاء الحكومة الروسية، إن أيّاً من السيناريوات السلبية التي يوقَّعها خصوم روسيا، لم تتحقَّق، فيما أشار بيسكوف إلى أنه ليس هناك آفاق لمفاوضات سلام مع أوكرانيا، بالنظر إلى أن «القانون في كييف يحظر إجراء حوار مع موسكو، كما أن الغرب لا يسمح لها بإبداء المرونة»، وفق الناطق نفسه.



وجوه جديدة في قيادة الحرب
أجرى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، تعيينات جديدة استهدفت قيادة العملية العسكرية في أوكرانيا؛ إذ عُيّن رئيس هيئة الأركان العامة، فاليري غيراسيموف، قائداً للمجموعة المشتركة للقوات في «منطقة العمليات الخاصة»، ونوابه، هم: القائد العام للقوات الجوية ولواء الجيش سيرغي سوروفيكين، والقائد العام للقوات البرية ولواء الجيش أوليغ ساليكوف، ونائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية العقيد ألكسي كيم. ووفق بيان الوزارة: «يرتبط رفْع مستوى قيادة العملية العسكرية الخاصة بتوسيع نطاق المهامّ (...) وضرورة تنظيم تفاعل أوثق بين فروع القوات المسلحة، وكذلك تحسين نوعية الدعم وفعالية إدارة القوات».
(الأخبار)