يبدو وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي الجديد، إيتمار بن غفير، عازماً على إجراء تغييرات جوهرية وعميقة في أسرع وقت ممكن، مستغلّاً كلّ تطوّر على الساحتَين الإسرائيلية والفلسطينية لتنفيذ وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية. وفي هذا الإطار، أتت زيارته الأولى للمقرّ الرئيس للشرطة أمس، ضمن مخطّطه الرامي إلى إحكام السيطرة على ذلك الجهاز، خصوصاً أنها أعقبت سلسلة من الخلافات بينه وبين القائد العام للشرطة (المفتّش) يعكوف شبتاي، وأحدثها على خلفية إحجام الأخير عن تنفيذ تعليماته بمنع الاحتفالات التي أقامها فلسطينيون في قرية عارة، خلال استقبال عميد الأسرى الفلسطينيين، كريم يونس، الذي تَحرّر من السجون الإسرائيلية قبل أيام بعد قضائه 40 عاماً فيها. وفي أثناء زيارته، قال بن غفير أمام شبتاي: «صحيح، كان هناك وزراء قَبلي، وأنا لا أبدأ من الصفر... ولكن ثمّة تغييرات جوهرية يجب تنفيذها. جهاز الشرطة قوي اليوم، ولكنه يجب أن يصبح أقوى». وشدّد على أهمّية «زيادة أجور الشرطيين»، واعداً بأنه «سيدفع بذلك من خلال وزارة المالية». وكانت مواجهات كلامية حامية اندلعت بين الرجلَين قُبيل تولّي بن غفير منصبه الجديد؛ إذ اعتبر شبتاي، في جلسة عُقدت لمناقشة اقتراح قانون هادف إلى نقل صلاحيات المفتّش إلى وزير الأمن القومي، أن «تغيّرات دراماتيكية (في جهاز الشرطة) كهذه يجب أن تُنفَّذ بحذر، ومن خلال مسار عملي. السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا، هو: ما هي المشكلة التي نواجهها في الوضع الراهن؟ وبناءً على ذلك، نفحص الإمكانات القائمة لمعالجتها»، مضيفاً أنه «حتى اليوم، لم أواجه وضعاً يتمّ فيه تجاهل المشكلة. كانت هناك انتقادات عملية وبنّاءة في السابق، ولكن لم يسبق أن طلب وزير تنفيذ سياسته، من دون أن يوضح ماهيّتها وهدفها». وأوضح أن «اقتراح القانون (الذي بموجبه أصبح بن غفير وزيراً للأمن القومي الداخلي)، لا يحدّد أو يوضح ما يُسمح به وما لا يُسمح به وما الذي يمكنه فعله بعد سَنّ القانون. اليوم، أيضاً هناك صلاحيات واسعة للوزير لقيادة الشرطة». وردّاً على ذلك، تَوجّه بن غفير إلى شبتاي مقاطِعاً إيّاه بغضب: «ولكن لا توجد سياسة. أنت فقط مَن يرى ذلك»، ليردّ عليه المفتّش بأن «أيّ وزير للأمن الداخلي كان يأتي بسياسته لتطبيقها في الوزارة، حيث تحديد الأولويات بيد الوزير، الميزانية بيد الوزير، الصلاحيات لتحديد تركيبة الشرطة وتعيين الضباط بيد الوزير. فالأخير هو مَن يوافق على كلّ تعيين في شرطة إسرائيل. من الصعب بالنسبة إليّ أن أفهم الادّعاءات القائلة بأن الوزير محض ختم مطّاطي».
وفي أعقاب الجلسة التي عقدتْها في حينه لجنة مؤقّتة لتعيين بن غفير في المنصب الوزاري المستحدَث، وعَد الأخير بإقالة المفتّش من منصبه لدى تسلّمه حقيبة «الأمن القومي»، ليتراجع عن تهديده بعد أيام قليلة، قائلاً: «لن أطلق النار على شبتاي». وفي المقابل، أصدر الأخير، أمس، أوامر لقادة جهاز الشرطة، تقضي بمنع رفْع العلم الفلسطيني في الحيّز العام، تنفيذاً لأوامر بن غفير الذي اعتبر أن «رفع الأعلام الفلسطينية أو التلويح بها يعبّر عن دعم لمنظّمة إرهابية وتحريض ضدّ دولة إسرائيل». وطبقاً لِما ذكرته صحيفة «هآرتس»، فإن سبب تلك الأوامر مرتبط برفع الأعلام الفلسطينية خلال احتفالات بلدة عارة بتَحرّر يونس. على أن المفارقة هو أنه حتى الآن، وبغضّ النظر عن طرح مشاريع قوانين سابقة، ليس ثمّة في إسرائيل قانون يحظر رفْع العلم الفسلطيني. وبالتالي، فإن ما حصل عملياً، كما أوضحتْه «القناة 12» الإسرائيلية، هو أن بن غفير، وبموجب الصلاحيات الواسعة التي يملكها كوزير لـ«الأمن القومي«، ومن ضمنها توجيه تعليمات مباشرة إلى المفتّش وتحديد أولويات جهاز الشرطة، استدعى شبتاي إلى مكتبه لعقد جلسة «استيضاح» معه عقب تنظيم الاحتفالات المُشار إليها، والتي خالفت تعليمات بن غفير بمنعها. غير أن الإجابات التي تلقّاها الوزير من المفتّش «لم تكن مقبولة»، وفق ما نقلت القناة عن مقرّبين من الأوّل، وهو ما دفعه إلى الإيعاز بفتح تحقيق داخلي في الشرطة، على اعتبار أن «أحداثاً كهذه لا يمكن أن تُقام في بيتنا (في فلسطين المحتلة عام 1948)».
وعَد بن غفير بإقالة مفتّش الشرطة من منصبه، لكنه تَراجع عن تهديده بعد أيام قليلة


من جهتها، بيّنت صحيفة «هآرتس» أن الشرطة كانت تعتزم اقتحام مراسم استقبال يونس، واعتقال أشخاص بشبهة «التحريض وانتهاك قانون الإرهاب»، غير أن «النيابة العامّة أكدت أن فعاليات استقبال يونس ليست مخالفةً قانونية»، على اعتبار أنها جرت في أرض خاصة بالعائلة. وطِبقاً لـ«هآرتس»، فإن منْع رفْع الأعلام الفلسطينية إنّما هو - بموجب اللوائح الشرطية - بيد المفتش العام للشرطة، الذي يعمد إلى ممارسة هذه السلطة في حال استخدام العلَم لـ«التحريض على الإخلال بالأمن». وفي حين أن هذا القرار تُرك في السابق لقادة المناطق الذين يقدّرون، وفقاً للظروف الموضوعية، ما إن كان يُسمح برفع العلَم أو لا، فقد أصدر بن غفير تعليمات جديدة بالسماح لـ«كلّ ضابط في الشرطة مهما كانت رتبته، بإزالة الأعلام الفلسطينية أثناء مناوبته»، إضافة إلى «منْع رفعها في الأماكن العامة».