لا يعني ما تَقدّم أن إيران لم تَعُد مهمّة بالنسبة إلى بكين. فالموقع والحجم وحدهما، ومعارضة طهران للأميركيين، تكفي ليسعى الصينيون، كما فعلوا، لاحتواء الخلاف معها. لكن ما جرى أشعرَ الإيرانيين، ولا سيّما التيار المحافظ الحاكم، المؤيّد للعلاقات مع بكين، بخيبة أمل عميقة، بسبب الآمال الكبيرة التي كانت عُلّقت على العلاقات مع الصين، والتي دفعت بهذا التيّار إلى حسْم خياره بـ«التَوجّه شرقاً»، حتى حين بدا أن التوصّل إلى صفقة نووية مع أميركا صار في المتناول. في المقابل، ينادي التيّار الإصلاحي، منذ زمن، بـ«تصحيح» العلاقة المائلة لمصلحة الصين، ويذهب بعضه، وتحديداً «الجبهة الإصلاحية» المؤيّدة للرئيس الأسبق محمد خاتمي، بعد الخلاف الأخير، إلى الدعوة إلى فكّ ذلك «التحالف» وإعلان تأييد استقلال تايوان، على اعتبار أن الموقف الصيني في القمّة مع الخليج مثّل «إذلالاً قومياً» لإيران. ويستبطن الموقف المتقدّم رغبة هؤلاء في عقْد صفقة مع الولايات المتحدة بشأن الملفّ النووي، تزيح العقوبات الأميركية عن إيران، وتُريحها من دفْع ثمن تحالفها مع روسيا، وإلى حدّ أقلّ مع الصين.
بيان القمّة الخليجية - الصينية طرح أسئلة حول أخلاقيات سياسة الصين الخارجية
من وُجهة النظر الصينية، يُظهر الخلاف صعوبة الحفاظ على التوازن في الصراعات المتجذّرة في هذه المنطقة، في الوقت الذي تسعى فيه بكين إلى مدّ نفوذها فيها. ولأنها لا تريد تفويت فرصة تاريخية لتعزيز وجودها في الخليج، مستفيدةً من التوتّر السعودي - الأميركي، تعتقد بكين، وفق ما تورده صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ ديلي»، أن الوقت قد حان لاتّخاذ خيارات واضحة تتعلّق بمصالحها. وللمقارنة، عندما زار شي السعودية عام 2016، انتقل بعدها إلى إيران، لكنه في زيارته الأخيرة مكث ثلاثة أيام في المملكة، ثمّ عندما عبّرت طهران عن انزعاجها من البيان الصيني - الخليجي، أرسل نائب رئيس الوزراء، خو تشون خوا، لاحتواء الخلاف وطمْأنة الإيرانيين إلى موقف بلاده. على أن الأسئلة حول السياسات الصينية، لا تقف عند حدود إيران، بل تمتدّ إلى دول أخرى من بينها كوريا الشمالية المخنوقة بالحصار الغربي، والتي تُعدّ جغرافياً في حضن الصين، فيما دعْم الأخيرة لها يظلّ محدوداً، على رغم أن بكين قاتلت أيام ماو تسي تونغ ضدّ الأميركيين مباشرة، مع الجيش الشمالي في الحرب الكورية عام 1950. وإذا كان دينغ، وقبْله ماو، قد انزعجا من التدخّل السوفياتي في شؤون الحزب الشيوعي الصيني في ذلك الزمن، الأمر الذي منَع توحيد الجهود ضدّ الغرب، فإن الحال اليوم في ما بين الصين وروسيا، اللتين تُواجهان كلتاهما تصعيداً غربياً متفاوتاً، يظلّ مثيراً للتساؤلات والشكوك، على رغم إعلان «صداقة بلا حدود» الصيني - الروسي، أوائل العام الجاري.
إلّا أن الخلافات الأيديولوجية شيء، والانعطافات المفاجئة وغير المبرَّرة في السياسات، مِثل ذلك الذي حدث مع إيران، شيء آخر. ومع أن السياسة لم تكن يوماً أسود وأبيض، ولكن الأسئلة تظلّ معلّقة في انتظار المزيد من المواقف الصينية، ويبقى معها الأمل قائماً بأن يكون الخروج عن المسار مجرّد تكتيك مرحلي.