مرّ يوم أوّل من أمس ثقيلاً على البيروفيين، مع تسارُع الأحداث السياسية في البلاد على إثر «الانقلاب الناعم» الذي أطاح الرئيس اليساري، بيدرو كاستيو، وانتهى بتحقيق اليمين، صاحب الغالبية في البرلمان، رغبته القديمة في التخلّص من الرئيس، الذي نجا سابقاً من محاولتَين للمساءلة. وسبقت هذه الأحداث، دعوة كاستيو إلى حلّ البرلمان - بعد عزْم الأخير مناقشة مذكّرة هي الثالثة من نوعها منذ عام 2021، لعزل الرئيس -، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وإنشاء حكومة طوارئ. لكن القضاء عارض قرار كاستيو، باعتباره «غير دستوري»، فيما قرّر جهازا الشرطة والجيش التنحّي جانباً. وصوت الكونغرس بغالبية 100 ونائب واحد على إقالة كاستيو بتهمة «العجز الأخلاقي»، وتعيين نائبته دينا بولوارت، خلفاً له، ليتمّ بعد ذلك إلقاء القبض على الرئيس من قِبَل الشرطة، ووضْعه في سجن في العاصمة ليما.ومنذ تسلّمه الحكم في بيرو قبل عام ونصف عام، حاول الكونغرس الانقلاب على الرئيس، وهو ما دفع الأخير إلى اختيار حلّ البرلمان، غير أن هذه الخطوة «لم تكن مدروسة وجاءت بنتائج عكسية»، وفق ما يرى الخبير جيسون ماركزاك، كبير مديري مركز «أدريان أرشت» لأميركا اللاتينية التابع لـ«المجلس الأطلسي»، في حديث إلى مجلّة «أتلانتك» الأميركية. وفي الاتجاه نفسه، اعتبر هوغو دي زيلا، الذي كان قد عمل نائباً لوزير خارجية بيرو بين عامَي 2018 و2019 وسفيراً لبلاده لدى الولايات المتحدة (2019-2021)، أن كاستيو «أخطأ في إنفاق طاقته على الصدام مع الكونغرس، بدلاً من التغيير الحقيقي في السياسة»، مضيفاً أن «انتهاء رئاسته لم يكن مفاجئاً». ويعود هذا التعقيد الذي شهدته فترة حكم كاستيو إلى عدّة عوامل، أبرزها وصوله إلى الحكم بعد سنوات من الاضطراب السياسي، والغضب الشعبي من النخب السياسية التقليدية. وقد عكس ذلك الفوز الفاتر لكاستيو على مرشّحة اليمين، كيكو فوجيموري (ابنة ألبرتو فوجيموري)، بهامش 50 ألف صوت فقط، من أصل 18 مليوناً تقريباً. ومنذ تسلُّمه منصبه، واجه كاستيو مشكلتَين رئيستَين: الأولى، مواجهته المستمرّة مع النواب والقضاء والتي أدت إلى التراجع المطّرد في شعبيته؛ والثانية، ثقة البيروفيين المهزوزة أساساً في الهيكل السياسي والحكّام الغارقين في الفساد منذ عدّة عقود، علماً أنه لم تثبت حتّى الآن أيّ تهمة على كاستيو، الذي يخضع وأفراد من عائلته للتحقيق منذ أشهر بعد اتهامات متكرّرة لهما بالفساد واستغلال النفوذ.
منذ تسلّمه الحكم في بيرو قبل عام ونصف عام، حاول الكونغرس الانقلاب على الرئيس كاستيو


من جهتها، تبنّت السفارة الأميركية في ليما الرواية القائلة إن كاستيو «شنّ انقلاباً»، مُدينةً على لسان السفيرة ليزا كينا، تحرّكات الرئيس البيروفي، فيما رحّب ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، في بيانٍ صدر لاحقاً، بتعيين بولوارت، مؤكداً أن واشنطن «ستدعم بيرو في ظلّ حكومة الوحدة التي تعهّدت الرئيسة الجديدة بتشكيلها». وحتى الآن، لم يتّضح ما إذا كانت للولايات المتحدة يد في ما جرى، إلّا أن الأكيد أن «الانقسام السياسي الذي عرّض المؤسسات الديموقراطية للخطر»، وفق ما وصّفت به «منظّمة الدول الأميركية»، في تقرير صادر عنها الأسبوع الماضي، بعد زيارة قام بها فريقها إلى بيرو، الأزمة المستمرّة هناك، سيكون السمة المستقبلية للأوضاع البيروفية، خصوصاً أن الرئيسة الجديدة لا تنتمي حالياً إلى أيّ حزب سياسي، إذ كانت قد طُردت أخيراً من حزب كاستيو «بيرو ليبر» اليساري. ووفق متابعين، «يُرجح أن تكون الساعات التالية حاسمة وأن تُحدّد ما إذا كانت الثقة في الكونغرس ومؤسسات الدولة ستَتعزّز أو تتآكل». وكانت بولوارت دعت، فور أدائها اليمين الدستورية، إلى إجراء حوار بين جميع الفاعلين السياسيين، مطالِبة بـ«هدنة سياسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية».
على مستوى ردود الفعل اللاتينية، قال الرئيس البوليفي، لويس آرسِ، إنه «منذ البداية حاول اليمين في بيرو إطاحة حكومة انتُخبت ديموقراطياً من قِبَل الشعب»، فيما وصف الرئيس البرازيلي المنتَخب، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، ما حصل في ليما بأنه «مؤسف». وألقى الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، باللوم على النخبة، قائلاً إن «عداءهم تجاه كاستيو أدّى إلى خلْق بيئة من المواجهة والعداء ضدّه».