تجاوَز رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلَّف، بنيامين نتنياهو، أولى العقبات التي تعترض تشكيل يمينية برئاسته، بعد الاتفاق مع رئيس حزب «القوة اليهودية»، إيتمار بن غفير، على تلبية معظم مطالبه وشروطه للانضمام إلى الائتلاف المقبل. إلّا أن تجاوُز هذه العقبة لا يلغي صعوبات أخرى لا تزال تُواجه رئيس حزب «الليكود»، وهي مطالب شُركائه الآخرين في المعسكر اليميني - الديني، والتي يعمل على حلّها واحداً واحداً، على رغم تَعارضها وصعوبة التوفيق في ما بينها. ووفقاً للاتّفاق المتبلور مع بن غفير، رمْز العنصرية بحلّتها الجديدة في إسرائيل، سيتولّى الحزب الفاشي وزارة الأمن الداخلي، التي سيتغيّر اسمها إلى «وزارة الأمن القومي»، فيما ستتوسّع صلاحية مَن سيتولّاها من كوْنه وزيراً بالوصاية على الشرطة الإسرائيلية، إلى الآمر المباشر عليها، الأمر الذي يمهّد الطريق أمامه لفعل ما يريده، من دون معارضة داخلية من الشرطة الإسرائيلية، ومن بينه تغيير قواعد إطلاق النار على الفلسطينيين، مع أو من دون وجود خطر أو تهديد على الجنود وعناصر الشرطة. كذلك، ستكون لبن غفير الإمرة على مؤسّسة «حرس الحدود»، وهي قوّة أمنية خاصة تابعة للشرطة الإسرائيلية، تعمل على «فرْض القانون والأمن على الحدود الإسرائيلية» بمختلف مسمّياتها، ومن بينها المناطق الفلسطينية المحتلّة عام 1967، كما أنها الجهة الرئيسة التي تتعامل مع إخلاء البؤر الاستيطانية «غير القانونية» التي يقيمها مُتطرِّفو المستوطَنات. أيضاً، مُنحت لبن غفير الإمرة على كلّ قوّة «إنفاذ قانون» كلاسيكية تابعة لوزارات أخرى، مِن مِثل البيئة والزراعة، بما سيمكّنه من إنفاذ عنصريته ضدّ شريحة واسعة جدّاً من فلسطينيي عام 1948 في النقب.يُضاف إلى ما تَقدّم، منْح زعيم «القوة اليهودية» وزارة التراث، التي ستكون معنيّة بكلّ آثار دينية أو مقامات يهودية مدّعاة في الأراضي المحتلة، بما يشمل أراضي عامَي 48 و67، ما يعني أن هذا الحزب الفاشي سيكون مسؤولاً عن الحرم القدسي، باعتباره المكان الذي شُيّد عليه «الهيكلان اليهوديان الأوّل والثاني» في عصور ما قبل التاريخ. كذلك، سيكون بن غفير مسؤولاً عن العشرات، إن لم يكن المئات، من الأماكن التي تُعدّ «تراثية يهودية»، بما يتيح له الاستيلاء على أراضٍ إضافية في فلسطين، تشمل دور عبادة إسلامية ومسيحية تدّعي الرواية اليهودية أن لليهود حقاً فيها. ومن ضمن الجوائز الممنوحة لحفيد «الكاهانية» أيضاً، رئاسة «الحرس الوطني» المزمَع إنشاؤه ليتولّى قمْع الفلسطينيين في الداخل، كي لا تتكرّر الهَبّة الفلسطينية التي واكبت معركة «سيف القدس» في العام الماضي، والذي يعوّل عليه بن غفير للتضييق على الفلسطينيين من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية، على نحْو يتجاوز القدرة القمعية الخاصة التي تملكها الشرطة و«قوات إنفاذ القانون» الكلاسيكية في الداخل.
إلّا أن تمكين الفاشيين من الحوكمة والسيطرة على الأراضي المحتلّة في الضفة والقدس، وكذلك ضدّ فلسطينيي عام 1948، لن يكتمل إلّا بعد الرضوخ لشروط الحزب الفاشي الآخر، وهو حزب «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريتش، الذي يطالب بوزارة الأمن، أو بالحدّ الأدنى بوزارة المالية، مع إضافات إلى صلاحياتها لتكون أكثر تمكيناً، بما يشمل الإمرة المباشرة على الإدارة المدنية في الضفة، والتي تُعدّ بمثابة «رئاسة وزراء الضفة»، الأمر الذي سيمكّنه من أن يكون الحاكم الفعلي والآمر الناهي في كلّ ما يرتبط بشؤون الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة. أيضاً، يطالب سموتريتش بأن تكون له الإمرة على مؤسّسات الاستيطان، وعلى مؤسّسات حكومية تُعنى بالهجرة إلى إسرائيل، على نحْو سيتيح له، في حال تَحقّقه إلى جانب نقْل الإدارة المدنية من سلطة وزارة الأمن إلى سلطة وزارة المالية، بلوغ أهدافه المتمثّلة في توسيع المستوطَنات على حساب الفلسطينيين، وتقطيع أوصال الضفة بما يمنع عملياً إقامة دولة فلسطينية في المستقبل.

ما الذي يعنيه ذلك؟
تعني سيطرة الفاشيين على كلّ تلك الصلاحيات، أنه ستكون لديهم القدرة على التنكيل بالفلسطينيين من دون أيّ مانع عملي أو عقاب لاحق. وإنْ كان هذا الواقع قائماً نسبياً وفقاً لقواعد الاشتباك المعمول بها في الأراضي المحتلّة، إلّا أنه سيصبح هذه المرّة بلا قفّازات، مباشِراً وفظّاً، ومن دون أيّ اعتناء بردّات فعل داخلية وخارجية، كانت إسرائيل تحرص على مُراعاتها في السابق، خصوصاً من جانب الحلفاء والرُعاة الغربيين. وإذ تعتقد الفاشية الجديدة أن «تَشوّه صورة» دولة الاحتلال أمام العالم، ثمنٌ يمكن تَحمّله مقابل تهشيم ما تبقّى من وجود للفلسطينيين، فهي لا تكترث أيضاً بما قد يَنجم عن ذلك من تصعيد أمني وحتى حروب كانت المؤسّسة العسكرية سبّاقة إلى التحذير منها، بوصْفها الاتّفاقات الائتلافية الأخيرة بأنها «وصْفة لتصعيد» قد لا يكون من الممكن احتواء مفاعيله. والجدير توضيحه هنا أن هذه التحذيرات غير مبنيّة على ضرورة مراعاة حقوق الفلسطينيين، بل هي نتيجة الخوف من اشتعال الوضع في حال الإفراط في الاعتداء عليهم، بل لو قدّرت تلك المؤسّسة وغيرها من المؤسّسات ذات المرجعية الأمنية والعسكرية أن لا تبعات لتعميق السياسة العنصرية، لكانت هي لجأت إليه قبل بن غفير وسموتريتش.
يعني تمكين الفاشيين أنه ستكون لديهم القدرة على التنكيل بالفلسطينيين من دون أيّ مانع عملي أو عقاب لاحق


على هذه الخلفية، جاءت تحذيرات وزير الأمن الحالي، بني غانتس، الذي قال لوسائل الإعلام: «أنا منزعج من محاولة تغيير قواعد فتْح النار من أشخاص (بن غفير) لم يخدموا في الجيش دقيقة واحدة»، معتبراً أن قرار وضْع «حرس الحدود» تحت إمرة بن غفير، نابع من الرغبة في «تشكيل ميليشيا»، محذّراً من تسلُّل السياسة إلى الجيش الإسرائيلي، ومِن تَحوّل هذا الأخير إلى «جيش نصف الشعب»، في إشارة منه إلى أن هذه التغييرات ستكون لها تأثيراتها على الوسط اليهودي أيضاً. وفي تلميح إلى إمكانية أن ترفض الأجهزة الأمنية أوامر الفاشيين الجدد، ما يعني تَعزّز الخلافات بين الإسرائيليين واحتمال وقوع تصادم في صفوفهم، أعرب بني غانتس عن ثقته بقادة الجيش الإسرائيلي الذين «لن يرضخوا لأوامر غير قانونية»، قائلاً إن «رئيس الأركان هو الذي يضع قواعد إطلاق النار، وهو الشخص المخوَّل فتْح وإغلاق وحدات في الجيش، وأنا واثق من أنه سيقف كجدار كي يصمد الجيش».
في هذا الوقت، وفيما ضاعفت «الهدايا» المُعطاة لبن غفير، شهيّة الأحزاب الدينية غير الصهيونية (الحريدية) لتحصيل مكاسب مقابل دخولها في الائتلاف، يتعاظم التململ في أوساط مسؤولي «الليكود» الذين لن تتبقّى لهم أيّ وزارات وازنة. ومن هنا، يُطرح السؤال حول سبب قبول نتنياهو تحوُّل تلك الوزارات إلى مُنافِسيه في المعسكر الواحد؟ الواقع أن السبب الرئيس في ذلك شخصي بحت، وهو مرتبط بملفّ الرئيس المكلَّف القضائي ومحاكمته بتهم فساد ورُشى؛ إذ سيكون له الحق، بعد رضوخه لمطالب شركائه، في سنّ قوانين وإصدار مراسيم ترتبط به شخصياً، ومن بينها: تعيين القضاة الذين يحاكمونه؛ وتعيين المستشار القضائي للحكومة الذي يتّهمه؛ وتعيين قضاة المحكمة العليا لمنع الالتماسات ضدّه. وبناءً عليه، يمكن القول إن نتنياهو آثر مصلحته الشخصية على مصلحة «إسرائيل الدولة»، فيما حلفاؤه الفاشيون يتحضّرون لتنفيذ تهديداتهم التي لن تبقى تأثيراتها محصورة بالساحة الفلسطينية فحسب.