رام الله | جرى تداوُل مقطع فيديو، يوم الجمعة الماضية، يَظهر فيه جندي من جيش الاحتلال في مدينة الخليل، وهو يتوعّد الفلسطينيين ونشطاء إسرائيليين جرى الاعتداء عليهم بالضرب، بأن إيتمار بن غفير الذي سيتولّى وزارة الأمن الداخلي في الحكومة الإسرائيلية المقبلة، سيُغيّر كلّ شيء و«يعيد النظام والسيطرة». وبدا هذا الجندي، المتلذّذ بالوحشية، نموذجاً من آلاف من رفاقه، الذين سيجدون فرصة لممارسة هوايتهم في قتْل الفلسطينيين، وتصويب النار عليهم، في ظلّ الحماية التي وعدهم بها بن غفير. وفي سياق ذلك التجرّؤ، شهدت الضفة الغربية، خلال ساعات صباح الثلاثاء، تصعيداً إسرائيلياً خطيراً، أسفر عن ارتقاء 5 شهداء، بدأ في بلدة بيت أمر في محافظة الخليل التي اقتحمها جيش الاحتلال قُبيل منتصف الليل واندلعت فيها مواجهات عنيفة مع الشبان، ثمّ تطوَّر إلى اشتباك مسلّح أدّى إلى استشهاد الشاب مفيد اخليل وإصابة آخرين. ولم تمضِ ساعات على استشهاد اخليل، حتى أصيب الشقيقان ظافر وجواد الريماوي برصاص جنود العدو في بلدة كفر عين، خلال اشتباكات شهدتها البلدة. وبحسب مصادر محلّية، فقد جُرح ظافر في المواجهات، وعندما استعان بشقيقه لمساعدته، أطلق الجنود النار عليه، وسرعان ما أُعلن عن استشهادهما لاحقاً، في جريمة أثارت غضب الفلسطينيين، الذين لم يكادوا يُعِدّون لتشييع شهدائهم، حتى ارتقى شهيد رابع من مدينة بيتونيا، بعد تنفيذه عملية دهْس قرب رام الله، أصيبت فيها مجنّدة من جيش الاحتلال بجروح خطيرة. وقالت شقيقة الشهيدَين الريماوي، في كلمة خلال تشييعهما في جامعة بيرزيت، إن «وصية ظافر وجواد كانت دائماً على خُطى النابلسي، وإن وصية كلّ إنسان حُرّ هي ما تتركوا البارودة وما تتركوا النضال وما تتركوا المقاومة». وعند المساء، استشهد شاب فلسطيني خامس، بعد إصابته برصاصة في الصدر أطلقها عليه جنود الاحتلال الإسرائيلي في قرية المغير شمال شرق رام الله.ويبدو تصعيد عمليات القتل استجابة عملية لتحريض الفاشيين على إطلاق النار على الفلسطينيين بسبب أو من دونه، وقد يكون سيناريو مصغّراً لِما وعَد به الوزراء اليمينيون الجُدد، وعلى رأسهم زعيم حزب «القوّة اليهودية»، إذ تعهّد هذا الأخير بتغيير تعليمات فتْح النار، بما يسمح بإطلاقها على كلّ مَن يحمل حجارة أو زجاجات حارقة ويمثّل تهديداً محتمَلاً، واصفاً نُسختها الحالية بـ«الغبية»، واعداً بتمرير قانون في «الكنيست» يسمح بترحيل عوائل منفّذي العمليات الفدائية، بعد مُطالبته بالعودة إلى سياسة الاغتيالات، ووقْف تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية. وعقب الاعتداء على نشطاء يساريين إسرائيليين في الخليل، قرّر جيش الاحتلال إيقاف 5 من جنوده عن الخدمة، لكن ذلك القرار أثار غضب بن غفير، الذي دعا الشرطة إلى «التحقّق ممّا إذا كان عناصر اليسار المتطرّف لم يستفزّوا الجنود ويؤذوهم»، قائلاً: «أدعو الشرطة إلى استنفاد التحقيق، وبمجرّد أن يتبيّن أن اليساريين أساؤوا وهاجموا الجنود، يجب اعتقالهم فوراً».
لا تزال عمليات التصدّي لجنود العدو مستمرّة في نقاط اشتباك عدّة شمال الضفة الغربية


ويتوقّع الفلسطينيون تزايُد العنف بحقّهم من قِبَل الجنود الإسرائيليين، في ظلّ موافقة الرئيس المكلَّف، بنيامين نتنياهو، على منْح بن غفير صلاحيات واسعة، تشمل السيطرة على قوات «حرس الحدود» المنتشِرة في الضفة، والتي كانت سابقاً تابعة للجيش. وفي ضوء ذلك، حذّر وزير الأمن، بيني غانتس، من نقْل مسؤولية «حرس الحدود» إلى وزارة الأمن الداخلي، منبّهاً إلى أن «إنشاء جيش خاص لبن غفير سيؤدّي إلى فشل أمني خطير»، موضحاً أنه «عندما لا تكون قوّة حرس الحدود مُتاحة لإمرة قائد القيادة الوسطى للجيش، أو عندما تتلقّى أمراً للعمل في المنطقة خلافاً لاحتياج الجيش، ستَحدث فوضى أمنية». وفي الاتّجاه نفسه، وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، تكليف بن غفير بحقيبة «الأمن القومي» بأنه «نكتة حزينة ستأتي على حساب مُواطني إسرائيل»، معتبراً أن «سلوك الائتلاف المقبل قد يؤدّي إلى تفكُّك الجيش الإسرائيلي».
في المقابل، يدرك الفلسطينيون أنه لن يكون أمامهم في مواجهة الحكومة الفاشية المقبلة سوى تعزيز المقاومة وتطويرها بكلّ أشكالها الشعبية والمسلّحة، على رغم استمرار تغريد السلطة الفلسطينية خارج سرْب المزاج الشعبي الملتفّ حول الاشتباك، والجهود التي تبذلها الأجهزة الإسرائيلية ونظيرتها الفلسطينية في إحباط هذه الحالة. وفي هذا الإطار، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن الأمن الفلسطيني ضَبط في جنين عبوات ناسفة تزِن عشرات الكيلوغرامات، كانت جاهزة للتشغيل ومُعدّة للاستخدام في عمليات في الأراضي المحتلّة، وقد تمّ تركيبها على يد خليّة تابعة لحركة «الجهاد الاسلامي»، لافتة إلى أن المتفجّرات أُعدّت في مختبرات في طوباس وجنين، ومتحدّثة عن اعتقال شخصَين على خلفيّتها. وإذ يُعتبر هذا التطوّر بمثابة رسالة من السلطة إلى المقاومين بأن الأخيرة عادت إلى العمل في جنين، فإن مؤشّرات قدرة المقاومة على توجيه ضربات إلى جيش الاحتلال ومُستوطِنيه تبْقى عالية؛ إذ لا تزال الخلية المسؤولة عن عملية القدس الأخيرة حرّة طليقة، فيما سلطات العدو عاجزة عن إيجاد خيط للوصول إليها، ومتخوّفة من إقدامها على تنفيذ عمليات أخرى. ويعزّز تلك المخاوف عثور قوات الاحتلال، على رغم حالة التأهّب التي تعيشها في القدس، على قنبلة محلّية في أحد أحياء المدينة، بينما لا تزال عمليات التصدّي لجنود العدو مستمرّة في نقاط اشتباك عدّة شمال الضفة الغربية.