لا تتقبّل ديموقراطيات السوق ونُخبها السياسية والثقافية فكرة وجود نموذج سياسي مختلف عنها وقابل للحياة
تضمّن الخطاب الأخير لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، السيد علي الخامنئي، لمناسبة أسبوع التعبئة، رسالةً واضحة للولايات المتحدة والقوى الغربية، مفادها بأن المجابهة الأساسية معها لا مع أدواتها الداخلية المتورّطة في أعمال الشغب أو الهجمات الإرهابية، وأن ساحات هذه المجابهة تمتدّ لتشمل لبنان وفلسطين، وبلدان المنطقة الأخرى. وهو أضاف إن «البعض يقول: لتحلّ المشكلة مع أميركا. كيف نحلّ المشكلة مع أميركا؟ هل بالمفاوضات وأخذ الالتزامات منها؟ عام 1980، حرّرنا الرهائن، فهل احترمت أميركا التزاماتها؟ هل رَفعت العقوبات وحرّرت أموالنا المجمَّدة؟ أميركا لا تحترم التزاماتها، والتفاوض معها لا يحلّ المشكلة، بل ما يريدونه فقط هو أن نقدّم لهم التنازلات، وهم لا يكتفون بتنازل واحد بل مطالبهم ستتوالى». السبب المركزي لعداء الغرب لإيران هو توجّهاتها الاستقلالية المتأتّية عن طبيعة نظامها السياسي، ورفضه التسليم بتفوّق «النموذج الغربي». التمسّك بالخصوصيّة الحضارية الإسلامية وعدم الإقرار بالصلاحية العالمية للمرجعية الغربية، يفسّر شراسة حملة الكراهية المستشرية راهناً ضدّ إيران في بلدان الغرب، ومساهمة عدد كبير من المثقّفين، بِمَن فيهم أولئك المحسوبون تقليديّاً أنصاراً للشعوب المظلومة فيها.
لا تتقبّل ديموقراطيات السوق ونُخبها السياسية والثقافية فكرة وجود نموذج سياسي مختلف عنها وقابل للحياة. الهستيريا الغربية ضدّ الصين ناجمة أساساً عن النموّ الهائل لقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وما تمثّله من تحدٍّ لنفوذ الغرب في أنحاء العالم، غير أن نجاح نموذجها السياسي والاقتصادي، «الاشتراكية بخصائص صينية»، وفقاً لرئيسها شي جين بينغ، هو بذاته دافع إضافي للكراهية الغربية لها. هي تستغلّ أيّ اضطرابات أو احتجاجات اجتماعية فيها، تشهد مدن الغرب العشرات منها أسبوعيّاً في السنوات الأخيرة، للاستنتاج بأن النموذج الصيني في طريقه إلى الانهيار! لا يعني هذا الكلام أن الغرب غير مستعدّ للقبول بـ«التعاون» مع أنظمة سياسية غير ديموقراطية، ولا تعتمد نموذجه، طالما أنها متحالفة أو تابعة له على المستوى الاستراتيجي. علاقاته بأنظمة الخليج خير مثال على ذلك. لكن ممّا لا شكّ فيه هو أن تمايز الدول المستقلّة عن النموذج الغربي عامل عداء صافٍ حيالها. وبطبيعة الحال، هو يستغلّ مثل هذا التمايز لتغليف حروب إدامة الهيمنة بغلاف أيديولوجيا الديموقراطية وحقوق الإنسان، وإعطائها طابعاً عالمياً عابراً للخطّ الفاصل بينه وبين الآخرين، ومحاولة استقطاب دول غير غربية أو قطاعات من مجتمعاتها إلى معسكره عبر مثل هذه الشعارات الجوفاء.