خاضت الأحزاب التايوانية، أوّل من أمس، انتخابات محلّية، أتت نتائجها مُعاكسة لِما كان متوقَّعاً. إذ تَكبّد الحزب «الديموقراطي التقدمي» الحاكم خسارة مدوّية، دفعت برئيسة تايوان، تساي إنغ ون، إلى الاستقالة من زعامته، فيما تَصدّر حزب «كومينتانغ» المُعارض (KMT) النتائج، بفوزه بـ13 من أصل 21 بلدية ومقاطعة في أنحاء الجزيرة، بما في ذلك العاصمة تايبيه. واعتبرت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية تلك النتائج «الأسوأ في تاريخ الحزب الديموقراطي، منذ تأسيسه في عام 1986»؛ إذ برهنت ضعْف الالتفاف الشعبي حول الحزب الذي يطالب بالانفصال عن الصين، لتضعه في دائرة الخطر مستقبلاً في الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد في أوائل عام 2024. في المقابل، رفعت هذه الانتخابات حظوظ الحزب المعارض في الوصول إلى سُدّة الرئاسة، في سيناريو قد يغيّر المشهد برمّته في مضيق تايوان.ويختلف الحزبان الرئيسان في تايوان حول مقاربة الملفّ الصيني. إذ يميل «كومينتانغ» المُعارض تقليدياً إلى توثيق العلاقات مع الصين، ولطالما دافع مؤيّدوه عن توسيع الشراكة الاقتصادية مع بكين، واعترفوا ضمنياً بسياسة «الصين الواحدة»، ولكن مع اختلاف التفسيرات حول ما سيتبع هذه السياسة. أمّا «الديموقراطي التقدّمي» فيتبنّى رؤية مختلفة، عكستْها تساي منذ وصولها إلى سُدّة الرئاسة عام 2016، عنوانها المطالبة بالانفصال عن البر الرئيسي. على أن تركيز الرئيسة التايوانية، في حملتها الانتخابية، على ما سمّته «الإصرار على الدفاع عن الديموقراطية في مواجهة العداء المتصاعد من الصين»، أظهر فشلها في كسْب أصوات الناخبين، الذين انصبّ تركيزهم على الأوضاع الداخلية، خصوصاً لناحية غلاء المعيشة، وهو ما اعترفت به تساي، حين سارعت بعد صدور النتاج إلى الإقرار بـ«فشل الحزب»، مستدركةً بالقول إنه «لا وقت لدينا لنشعر بالأسف. خسرنا (الانتخابات) لكننا سنقف على أقدامنا مرّة أخرى». إزاء ذلك، رأت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية أنّ «طريقة التعامل مع وباء كورونا كانت سبباً رئيساً في خسارة الحزب». ونقلت الصحيفة عن هوانغ وي هاو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «صن يات صن الوطنية»، قوله في هذا المجال إن «الجمهور شعر ببعض الاستياء من الحزب الديموقراطي بسبب الوباء، على رغم أن تايوان استطاعت الوقاية نسبياً من الأوبئة».
العلاقات مع بكين ستكون الاختبار الرئيس للمرشّحين الذين يتنافسون على خلافة تساي


وعلى الرغم من أن تأثير الاستحقاق الانتخابي المنتهي للتوّ يبدو محدوداً حالياً، بالنظر إلى أن تساي ستبقى في منصبها حتى بداية عام 2024، إلا أن الاستحقاق الرئاسي المقبل من الممكن أن يغيّر المشهد السياسي المحلّي في الجزيرة، ويعمّق من التداعيات على العلاقات عبر مضيق تايوان والاستقرار الإقليمي. ووفق متابعين، فإن «العلاقات مع بكين ستكون الاختبار الرئيسي للمرشّحين الذين يتنافسون على خلافة تساي». وفي هذا الإطار، أبدت الصين ارتياحاً لنتائج الاقتراع في تايوان، إذ رأت أن «التوجّه الرئيس للرأي العام في الجزيرة هو للسلام والاستقرار والحياة الهانئة»، مضيفة، في بيان، أن «بكين ستُواصل معارضة استقلال تايوان والتدخل الأجنبي». إلا أن خبراء يرون أن «فوز حزب كومينتانغ لا يعكس بالضرورة تحوّلاً في نظرة الجمهور التايواني إلى علاقتهم مع الصين الأمّ، بل يعكس حصراً ما سيبحث عنه الناخبون في اختيار الرئيس المقبل». والواقع أن بكين لا تعتبِر تصدّر «كومينتانغ» الآن كافياً لحسم المشهد المقبل في الجزيرة، بالنظر إلى إخفاقات الحزب في استحقاق 2018 الرئاسي، على الرغم من فوزه في الانتخابات المحلّية آنذاك، وذلك بسبب عجزه عن توحيد الأحزاب المعارضة لتكوين تحالف في وجه «الديموقراطي». ومن هنا، رأت الكاتبة جيسيكا درون أنه على الرغم من أن «بكين لطالما نظرت إلى كومينتانغ باعتباره يتبع سياسات تتّفق مع المفهوم المشترك للصين الواحدة»، إلّا أنها تدرك «تقلّبات رؤساء الحزب لا سيما في ما يتعلق بتأطيرهم لتايوان في إطار جمهورية الصين». وأضافت درون، في مقالٍ نُشِر أخيراً في موقع «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن الاختبار الحقيقي لبكين سيكمن في «تعديل نهجها تجاه كومينتانغ، لا سيما بعد انتخابات التجديد النصفي هذه».