لم تخرج القمّة التي جمعت الرئيسَين: الأميركي جو بايدن، والصيني شي جين بينغ، بأيّ جديد سوى لجهة الاتفاق على استمرار الحوار لإدارة المواجهة/ التنافس، لا لجمها، وهو ما تمظهر في الإعلانات الكثيرة التي أعقبت القمّة. لكن بايدن بدا كما لو أنه يريد عامَين أكثر هدوءاً مع بكين، بينما يركّز اهتمامه على الصراع مع روسيا، مزهوّاً بالنتائج التي حقّقها حزبه المتراجع في انتخابات التجديد النصفي. إلّا أنه مع هذا، كان يسعى، قبل يوم من لقائه شي، إلى لمّ الشمل خلال قمّة «آسيان» دفاعاً عن الولايات المتحدة في وجه «التهديدات الكبيرة» التي يواجهها «النظام القائم على القواعد وسيادة القانون»
على رغم أجواء التوتّر التي سادت العلاقات الأميركية - الصينية في الأشهر الماضية، وخصوصاً بفعل الأزمة المتّصلة بتايوان، يَظهر أن الخلافات المتزايدة بين القوّتَين ستبقى، في الأمد القريب، مضبوطةً، لِما يمكن أن يستتبع انفلاشها من تداعيات ستطال العالم بأسره. وفي هذا الإطار تحديداً، جمعت قمّة وُصفت بـ«التاريخيّة»، الرئيسَين: الأميركي جو بايدن، والصيني شي جين بينغ، في مدينة بالي الإندونيسيّة على هامش اجتماعات دول «مجموعة العشرين» التي تنطلق اليوم. وسعى الزعيمان، خلال ساعات الاجتماع الثلاث، إلى «إدارة خلافاتهما» و«تحديد شروط التنافس» بين بلدَيهما، واختبار الاتفاق حول كيفيّة التنافس على التفوّق العسكري والتكنولوجي والسياسي، من أجل وقْف تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين، كما أوردت صحيفة «نيويورك تايمز».
ويُعدّ اللقاء الذي جمع الزعيمَين هو الأوّل المباشر بينهما، منذ تولّي بايدن منصبه الرئاسي قبل نحو عامَين. كما أنه يجيء بعد شهرٍ على التجديد للرئيس الصيني لفترة رئاسية ثالثة مدّتها خمس سنوات، وأيضاً في أعقاب «النتائج الإيجابية» - كما وصفتْها صحيفة «واشنطن بوست» - التي حقّقها الحزب الديموقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وحافظ فيها على الأغلبيّة في مجلس الشيوخ، وهو عاملٌ من شأنه أن «يشدّ من عضد» الرئيس الأميركي. لكن القمة تأتي كذلك وسط توتّرات اقتصادية وأمنية متزايدة بين القوّتَين العظميَين، قال بايدن، أمام عدسات الكاميرا بعد مصافحته شي، إنّ بالإمكان «إدارتها، والحيلولة دون تحوُّل المنافسة إلى صراع، وإيجاد سُبل للعمل معاً في شأن القضايا العالمية الملحّة التي تتطلّب تعاوننا المتبادَل». أمّا الرئيس الصيني، فتحدّث عن الحاجة إلى «رسم (البلدَين) مسارهما وإيجاد الاتّجاه الصحيح ورفع مستوى العلاقات التي لا ترقى إلى التوقّعات العالمية»، وعن أنه «يتطلّع إلى العمل مع بايدن لإعادة العلاقات إلى المسار الصحيح»، قائلاً: «كلّنا نهتم كثيراً» بالعلاقات الأميركية - الصينية. ومِثل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حدّد بايدن الصين على أنها المنافس الوحيد المحتمل لتفوّق الولايات المتحدة على المسرح العالمي، على المدى الطويل، وهو ما أورده في استراتيجيته للأمن القومي. وعلى رغم حرص الزعيمَين على اللباقة الدبلوماسية لدى مصافحتهما ومخاطبتهما الصحافة، إلّا أن هذا لم ينسحب بدرجة كبيرة على البيانات الصادرة عن بلدَيهما قبل اللقاء وفي أعقابه، فيما أبدى شي، على حدّ قول بايدن، «انفتاحاً على القيام بتنازلات»، مشيراً، في الموازاة، إلى أنه لا حاجة «إلى حرب باردة جديدة» مع الصين.
أكد الرئيس الصيني لنظيره الأميركي أن العالم «كبير بما يكفي» لازدهار بلدَيهما


وفي خضمّ الخلافات الكثيرة بين البلَدين، تشكّل تايوان المسألة الأكثر حساسيّة بينهما، ولا سيما في ظلّ التصعيد الأميركي المتزايد إزاءها، والذي تجلّى في الرحلات المتواصلة لمسؤولي الولايات المتحدة إلى الأراضي التي تُعدّ امتداداً لجمهورية الصين الشعبية. وفي هذا المجال، أوردت وكالة «شينخوا» الرسمية للأنباء، أن الرئيس الصيني حذّر نظيره الأميركي من تجاوُز ما وصفه بـ«الخطّ الأحمر» مع بكين في شأن جزيرة تايوان، وقال له: «إن مسألة تايوان هي في صميم المصالح الجوهرية للصين، والقاعدة للأساس السياسي للعلاقات الصينية - الأميركية، والخطّ الأحمر الأوّل الذي لا ينبغي تجاوزه في العلاقات الصينية - الأميركية». لكن البيت الأبيض لفت، من جهته، إلى أن بايدن أثار اعتراضات أمام شي على «الأفعال القسرية والعدوانية المتزايدة للصين تجاه تايوان»، وكونها «تقوّض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وفي المنطقة الأوسع نطاقاً». مع ذلك، أراد بايدن، وفق مسؤول في البيت الأبيض، وضْع «حواجز أمان» في العلاقة مع الصين، وتقييم كيفية تجنُّب «الخطوط الحمر» التي يمكن أن تدفع البلدَين إلى المواجهة.
وتُقابل هذا الاتجاه «الدبلوماسي» مساعٍ لتعزيز النفوذ الأميركي في جنوب شرق آسيا، تمظهرت خصوصاً في اللقاء الذي جمع بايدن، الأحد، إلى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، على هامش قمّة «آسيان» في كمبوديا، حيث وجّه الزعماء الثلاثة دعوة مشتركة إلى «السلام والاستقرار» في مضيق تايوان. وخلالها، قال بايدن إنه سيتطرّق إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وإن على الولايات المتحدة أن تعمل مع «آسيان» من أجل «الدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الكبيرة التي يواجهها النظام القائم على القواعد وسيادة القانون». ومن العاصمة الكمبودية بنوم بنه، أعلن الرئيس الأميركي أنه «ليس لدينا سوى القليل من سوء التفاهم، علينا فقط معرفة مكان الخطوط الحمر، وأهمّ الأشياء لكلٍّ منّا خلال العامَين المقبلَين». وكان البيت الأبيض قد أعلن أن بايدن يريد إعادة فتْح حوار خلال اجتماعه مع نظيره الصيني، لكنّه سيسعى أيضاً إلى تحديد «ضمانات» في سياق التوتّر المتزايد بين واشنطن وبكين. من هنا، جاء الإعلان عن زيارة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للصين بداية العام المقبل.
لكن الرئيس الصيني أكد لنظيره الأميركي أن العالم «كبير بما يكفي» لازدهار بلديهما، وأن مصالح مشتركة «كثيرة» تجمع بينهما، بحسب وزارة الخارجية الصينية. وقال شي لبايدن إنه «في ظلّ الظروف الراهنة، فإن الصين والولايات المتحدة تتقاسمان الكثير من المصالح المشتركة»، مضيفاً إن بكين لا تسعى إلى تحدّي الولايات المتحدة أو «تغيير النظام الدولي القائم»، داعياً الجانبَين إلى «أن يحترم كل منهما الآخر».