على رغم أن الموجة الحمراء العملاقة لم تبلغ مداها المنظور، فهي تمكّنت من إنزال بعض العقاب بالرئيس الأميركي، جو بايدن، وحاشيته، بعد سنتَين من رئاسة أقلّ ما يُقال فيها إنها أسوأ من سابقتها، وربّما بأضعاف. لم يُحسن بايدن شيئاً، كما لم يَحسب، ربّما، أن مَن أزاحوا خصمه، دونالد ترامب، في انتخابات 2021، قد يعيدونه، ولكن بوجوه كثيرة على شكل مشرّعين وسناتورات، سيشرف جميعهم، باسمه، على عرقلة خطط الرئيس الحاكم ومشاريعه التي لم ترَ منها أميركا شيئاً، إلّا مزيداً من التضخّم، ومزيداً من الغلاء الذي لم يَعُد، بالنسبة إلى كثيرين، محمولاً. مع هذا، طغت الولاءات الحزبية على سباق «النصفيات» الذي يُمكن عَدُّه «الأهمّ في التاريخ الأميركي» لِمَا سيترتّب عليه من انعكاسات حتى على الحزب الديموقراطي نفسه. وحتى إنْ لم يتلقَّ الأخير هزيمة نكراء في انتخابات عزّزت آمال المعسكر المقابل لسنين لاحقة، فهو يظلّ، في ميزان الربح والخسارة، مهزوماً
بيّنت النتائج الأوّلية لانتخابات التجديد النصفي، أن لا فوز كاسحاً للجمهوريين يشبه ما تأمّل به الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وإنْ كان هؤلاء انتزعوا، وفق ما أَظهرته الأرقام الصادرة حتى مساء أمس، السيطرة على مجلس النواب من الديموقراطيين، وسط ترقُّب لمعرفة وجهة مجلس الشيوخ، الذي تشير المعطيات إلى احتمال مراوحته مربّع المناصفة، مع صوت تفضيلي لنائبة الرئيس، كامالا هاريس. وفق الأرقام أيضاً، حصل الحزب الجمهوري على 202 مقعد في «النواب»، في مقابل 184 للحزب الديموقراطي من مجموع 435 مقعداً (يحتاج أيّ حزب لتحقيق الغالبية الساحقة إلى 218 نائباً). وفيما يحتدم الصراع على مجلس الشيوخ، بلغت حصيلة مقاعد الجمهوريين 49، في مقابل 48 لحزب الرئيس، في انتظار الانتهاء من فرز الأصوات في ولايات: نيفادا، أريزونا وجورجيا (يتنافس الحزبان على 35 مقعداً من مقاعد المجلس الـ100).
وفي منافسةٍ اتّسمت بحدِّة غير مسبوقة، هي نتاجٌ للشرخ المتعاظم بين الحزبَين، بيّنت النتائج غير المكتملة أن هناك ولاءً أكبر للحزبية على حساب القضايا الرئيسة (الاقتصاد، التضخم). وظهر جليّاً، في المقابل، أن آمال الجمهوريين في «موجة حمراء عملاقة» كانت تتضاءل مع ورود النتائج تباعاً، فيما سعى الديموقراطيون الذين تركّزت أجندة سباقهم على قضيَتي الإجهاض والديموقراطية، مبتعدين عن القضايا الاقتصادية، إلى الحدّ من بعض الأضرار، في انتخابات ستكون حاسمة بالنسبة إلى مستقبل كلّ من جو بايدن ودونالد ترامب. ومع تمكُّن الديموقراطي جون فيترمان من انتزاع أهمّ مقعد متنازَع عليه في هذا الاقتراع، هو مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا في مواجهة مرشّح يدعمه الرئيس السابق، حصل الديموقراطيون على جرعة أمل في الاحتفاظ بالسيطرة على «الشيوخ». وغذّى هذا الفوز أيضاً تكهّنات بأن المدّ المحافظ في مجلس النواب الذي وعد به ترامب، لن يبلغ توقّعاته الطموحة بالحصول على غالبية ساحقة، وهو ما أقرّ به، مثلاً، السناتور ليندسي غراهام، حين قال إن «الأمر ليس بالتأكيد مدّاً جمهوريّاً. هذا أمر مؤكد»، فيما سارع ترامب، من جهته، إلى نفْض يده من أيّ هزيمة غير متوقّعة، قائلاً: «حسناً، أعتقد أنه إذا فازوا، يجب أن أحصل على كلّ الفضل، وإذا خسروا، فلا ينبغي إلقاء اللوم عليّ على الإطلاق».
من شأن هذه الانتخابات أن ترسم ملامح العامَين المتبقّيين من ولاية الرئيس جو بايدن


وفق الأرقام غير الرسمية، أُعيد انتخاب السناتور الجمهوري راند بول عن ولاية كنتاكي، والجمهوري تيم سكوت عن كارولينا الجنوبية، وتود يانغ عن إنديانا. وفي المعسكر الجمهوري أيضاً، أُعيد انتخاب السناتور البارز ماركو روبيو عن فلوريدا، وزميله جون بوزمان عن أركنساس، والسناتور جيمس لانكفورد عن أوكلاهوما، والسناتور جون هوفن عن ولاية داكوتا الجنوبية، وفاز رون جونسون بمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكونسن الحاسمة. من الجهة الديموقراطية، فاز المرشّح بيتر ولش بمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، والسناتور تشاك شومر عن ولاية نيويورك، كما فاز السناتور ريتشارد بلومنثال بفترة ثالثة في المجلس عن ولاية كونتيكيت. وحسم الديموقراطيون مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا، بفوز جون فيترمان على محمد أوز، المرشّح المدعوم من ترامب، في واحدة من أكثر المنافسات حدّة في انتخابات منتصف الولاية. وللحفاظ على السيطرة على مجلس الشيوخ، يحتاج الديموقراطيون إلى الاحتفاظ بولايتَي أريزونا (مارك كيلي)، ونيفادا (كاثرين كورتيز ماستو).
بالنسبة إلى حكّام الولايات، أشارت النتائج الأولية إلى انتخاب الجمهورية سارة ساندرز، الناطقة السابقة باسم البيت الأبيض في عهد ترامب، حاكمة لولاية أركنساس. وفي الجانب الجمهوري أيضاً، أُعيد انتخاب كريس سنونو حاكماً لولاية نيوهامبشر، ومارك غوردون حاكماً لولاية وايومنغ، وكيم رينولدز حاكماً لولاية أيوا، وكذلك فيل سكوت لولاية فيرمونت، وهنري ماكماستر لولاية كارولينا الجنوبية، وانتخب الجمهوري جاي دي فانس - يدعمه ترامب - عن ولاية أوهايو، متفوّقاً على الديموقراطي تيم راين، وأُعيد انتخاب الجمهوري رون ديسانتيس حاكماً لولاية فلوريدا. وفي خطاب هجومي، عبّر النجم الصاعد في المعسكر المحافظ والمرشّح المحتمل للرئاسة الأميركية في انتخابات 2024، عن ارتياحه لجعله هذه الولاية الجنوبية التي تميل أحياناً إلى اليسار وأحياناً إلى اليمين، «أرض ميعاد» للجمهوريين، مؤكداً أن «المعركة بدأت للتو». وسطع نجم ديسانتيس (44 سنة) في أوساط اليمين الأميركي، حتى بات يُنظر إليه باعتباره منافساً محتملاً لترامب لنَيْل ترشيح الحزب الجمهوري. لكن هذا لا يعني أن المعسكر الديموقراطي لم يحقّق أيّ شيء؛ فقد انتزع من الجمهوريين المحافظين منصبَي حاكمَين: في ميريلاند وماساتشوستس، فيما أُعيد انتخاب دانييل ماككي حاكماً لرود أيلاند. وتمكّن الديموقراطيون أيضاً من الاحتفاظ بمقعد حاكم ولاية نيويورك التي تُعدّ من معاقلهم، حيث شهدت الانتخابات منافسة حادّة. وفيها، فازت الحاكمة الديموقراطية المنتهية ولايتها، كاثي هوشول، التي حلّت صيف 2021 محلّ أندرو كومو، على خصمها الجمهوري لي زيلدن، المدعوم من ترامب.
ومن شأن هذه الانتخابات التي شهدت منافسة محتدمة أشعلتْها قضايا الوضع الاقتصادي والإجهاض، أن ترسم ملامح العامَين المتبقّيين من ولاية الرئيس جو بايدن، وربّما تكون، كما وصفها الأخير، «الأهمّ في التاريخ الأميركي الحديث»، نظراً إلى انعكاساتها المحتملة على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية. فهي لا بدّ أن تؤدّي إلى تقليص سلطة الرئيس الحالي، على رغم كونه تجنّب هزيمة نكراء كان يخشاها حزبه. مع هذا، فإن حصول الجمهوريين على غالبية، وإنْ كانت بسيطة، في مجلس النواب، سيسمح لهم بعرقلة أولويات بايدن، ريثما يشرَعون في تحقيقات ستطاول إدارته وحتى عائلته، وقد تكون لها تأثيرات سياسية مدمّرة. فوجود مجلس نواب جمهوري، «سيوجّه ضربة كبيرة لبايدن، وسيقضي على طموحاته التشريعية، فضلاً عن أنه يُنذر بعامَين من الصراع الحزبي الطاحن»، وفق «نيويورك تايمز». ويمكن بايدن، في بلدٍ منقسم إلى حدّ التشظّي، أن يشهد شللاً برلمانياً طويلاً، ستتخلّله صراعات لا نهاية لها حول مشاريع قوانين تولد ميتة. فتحقيق الغالبية حتى بفارق ضيّق في مجلس النواب، يُعطي سلطة كبيرة في مجال الإشراف، وعد اليمين الجمهوري باستخدامها للبدء بعدد من التحقيقات ضدّ بايدن وأدائه وأوساطه. وخلال إحدى الجلسات، وعدت الجمهورية مارجوري تايلور غرين التي أعيد انتخابها في مجلس النواب، على سبيل المثال، بفتح ملفات هانتر بايدن، النجل الأصغر للرئيس. كما ستكون لدى الجمهوريين وسائل ضغط في الموازنة، ويمكن أن يلوّحوا بتهديد «الإغلاق» - شلّ الإدارات الفيدرالية - أو حتى بالتخلّف عن الدفع من قِبَل أكبر قوة عالمية.