طهران | على رغم الأجواء الإيجابية التي طبعت العلاقات الإيرانية - السعودية، في السنتَين الأخيرتَين، منذ انطلاق المحادثات بينهما في بغداد، إلّا أن الاضطرابات الأخيرة في إيران، والاتّهامات المُوجَّهة من قِبَل الأخيرة إلى دول أجنبية - من بينها المملكة - بالوقوف خلْفها، قد تعيد أجواء التوتُّر إلى سابق عهدها. ولعلّ ما عزّز هذا الاتّجاه، دخول الأميركيين على خطّ الأزمة، من خلال تسريب أنباء عن أن طهران تعتزم ضرب الرياض عسكريّاً، فيما يسود الأوساطَ الإيرانية اعتقادٌ بأن واشنطن ستسعى إلى «كبّ الفتنة» بين البلدان الجارة المنِتجة للنفط والغاز بهدف إلهائها بالمشكلات، ومنْعها من تعميق انفتاحها على «الشرق»
على رغم سَيْر العلاقات الإيرانية - السعودية، منذ نحو عامَين، في مسار خفْض التصعيد، مع بدء المحادثات بين الجانبَين بوساطة عراقية، إلّا أنها تمرّ، حالياً، وعلى خلفية الاضطرابات في إيران واتّهام الأخيرة المملكة بالتدخّل في شؤونها الداخلية، بتحدّيات جديدة. وتتّهم طهران، العواصم الأجنبية، بما فيها الرياض، بالوقوف وراء الاضطرابات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني، قبل شهرَين. ومردّ هذا الاتهام، على ما يبدو، أداء قناة «إيران إنترنشنال» التلفزيونية الناطقة باللغة الفارسية، والتي تصفها الحكومة الإيرانية بـ«المعاندة أو المعارضة»، وبأنها «صنيعة يد» السعودية، و«المُحرّضة» على الاضطرابات في الداخل الإيراني. وتأسّست هذه القناة السعودية عام 2017 في لندن، وتعود ملكيّتها إلى شركة «فالنيت ميديا»، فيما صاحبة امتيازها في بريطانيا هي شركة «غلوبال ميديا» المملوكة للسعودي عادل عبد الكريم، الذي يُعرف عنه تعاونه مع وجوه إعلامية سعودية، مِن مِثل عبد الرحمن الراشد، المدير العام السابق لقناة «العربية» ورئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». وفي هذا المجال، كشفت صحيفة «غارديان» البريطانية، في تقرير نُشر في الثاني من تشرين الأول 2018، عن دفْع وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، مبلغ 250 مليون دولار لقناة «إيران إنترنشنال».
وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، توالت التحذيرات الإيرانية للسعودية بهذا الخصوص. وقال قائد «الحرس الثوري»، حسن سلامي: «أنبّه نظام آل سعود الذي يروّج فقط للخبث والشرّ من خلال مؤسّساته الدعائية والإعلامية، وهو بشكل سافر في صدد تحريض شبّاننا، إلى أن يتنبّه إلى تصرفّاته، وأن يتحكّم بوسائل الإعلام هذه، وبغير ذلك، فإن الأمر سيرتدّ إلى نحوره. إنّنا نتمّم الحجّة معكم. لقد تدخّلتم عن طريق وسائل الإعلام هذه في شؤوننا الداخلية، لكن اعلموا أنّكم معرَّضون للضرر. لقد قلناها لكم، احذروا». وفي الإطار نفسه، كشف سعد الله زارعي، المحلّل القريب من «الحرس»، أخيراً، عن توجيه طهران رسالة احتجاج رسميّة إلى الرياض، ردّت عليها الأخيرة بأنه «لا علاقة لها بقناة إيران إنترنشنال»، مستدرِكاً بـ«أنّنا على علم تامّ بعلاقتهم بها، ونعرف أن العربية السعودية هي مَن تموّل الإجراءات المعادية لإيران، وهذه الوسيلة الإعلامية الزائفة تُموَّل من جانبها». وفي آخر التصريحات المماثلة، اعتبر وزير الأمن الإيراني، إسماعيل خطيب، أنه «في الأحداث الأخيرة، تورُّط الكيان الصهيوني كان واضحاً في التنفيذ، وبريطانيا في الإعلام، والسعودية في الدعم المالي»، محذراً من «(أننا) نَعتبر شبكة إيران إنترناشيونال منظّمة إرهابية، وسيكون عناصرها مطلوبين من قِبَل وزارة الأمن الإيرانية».
دفَع وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، مبلغ 250 مليون دولار لقناة «إيران إنترنشنال»


وأثارت كثرة التحذيرات الإيرانية المُوجَّهة أخيراً إلى السعودية تكهّنات، خصوصاً في الأوساط الغربية، في شأن احتمال لجوء الجمهورية الإسلامية إلى التصعيد عسكريّاً ضدّ المملكة، على هذه الخلفية. وتَعزّزت تلك الشكوك مع إيراد وسائل إعلام أميركية، على رأسها صحيفة «وول ستريت جورنال» ووكالة «أسوشيتد برس» وقناة «سي إن إن»، معلومات، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، «تُفيد بقُرب شنّ إيران هجمات ضدّ أهداف داخل الأراضي السعودية». لكن الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، وصف الأنباء المُشار إليها بأنها «تلفيق خبريّ مغرض»، معتبراً أنها «تُبثّ من جانب بعض الأوساط الغربية والصهيونية بهدف إثارة الأجواء ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونسْف المسارات الإيجابية الجارية مع بلدان المنطقة».
وكانت الاجتماعات بين الجانبَين الإيراني والسعودي بدأت في نيسان من العام الماضي في بغداد، حيث عُقدت الجولة الأخيرة، فيما كان مقرّراً عَقْد الجولة السادسة في تموز الفائت، على مستوى وزيرَي خارجية البلدَين، بحسب ما أفادت به مصادر عراقیة، لكنها أُرجئت بطلبٍ من إيران. وجرت تلك الجولات برعاية رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، بينما يبدو أن الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، وفي ضوء التصعيد الحاصل بين طهران والرياض، تمتلك الدافع اللازم للمضيّ قُدُماً في هذه المفاوضات، بل وتسعى إلى تحفيز البلدَين على الجلوس إلى الطاولة للحدّ من تصاعد التوترات. وفي هذا المجال، أفاد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عامر الفايز، في حديث صحافي، بأن «مهمّة الوساطة بين طهران والرياض ستتواصل من خلال حكومة السوداني»، مضيفاً أن «من مصلحة العراق استمرار العلاقات الطيّبة بين السعودية وإيران. ولهذا، سيُكمل السوداني مشروع الوساطة، بل ربّما يحقّق نجاحات أكثر من الكاظمي، بسبب الدعم السياسي الكبير الذي يملكه من كافة القوى السياسية العراقية، وأيضاً الأطراف الإقليمية والدولية التي رحّبت بتشكيل حكومته». من جهتها، ذكرت بعض المصادر أن مسؤولين سعوديين وإيرانيين سيزورون بغداد قريباً، للوقوف على توجّهات السوداني في شأن الوساطة. وفي السياق نفسه، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أوّل من أمس، استعداد بلاده للعب دور الوسيط بين السعودية وإيران، في حال طلبت الدولتان ذلك، مؤكداً أن «روسيا على تَواصل مع الجانبَين»، وأنها «تؤيّد حلّ سوء التفاهم بينهما في إطار حوار بنّاء».
ويسود الأوساطَ السياسية في إيران اعتقادٌ بأنه، وعلى خلفيّة قرار السعودية خفْض إنتاج النفط، سيسعى الأميركيون إلى خلْق أزمة بينها وبين إيران. إذ اعتبر، جلال جراغي، محلّل في قضايا المنطقة، في حديث إلى وكالة «إيسكانيوز» الإيرانية للأنباء، أن العلاقات الإيرانية - السعودية في طريقها إلى التحسُّن، مضيفاً أن «الغرب في صدد المساس بعلاقات إيران مع البلدان الجارة، لا سيما البلدان المنتجة للنفط والغاز، لكي يحول، من خلال بثّ الإيرانوفوبيا واختلاق الأخبار حول نيّة إيران مهاجمة السعودية، دون تقاربها مع الجمهورية الإسلامية، وكذلك الحدّ من توجّه المملكة وباقي دول المنطقة نحو الشرق، خاصّة في ظلّ الحرب الأوكرانية، والنقص في إمدادات الطاقة في الغرب».