الترسانة النووية، وما تضمّ من أسلحة استراتيجية وتكتيكية، هي من بين أبرز أوراق القوّة التي تمتلكها موسكو
الترسانة النووية، وما تضمّ من أسلحة استراتيجية وتكتيكية، هي من بين أبرز أوراق القوّة التي تمتلكها موسكو في مواجهة الحرب الدولية التي تستهدفها، والتي لم يُخفِ مسؤولون أميركيون أن غايتها «إضعافها». اختار وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بدقّة مفهوماً ضبابياً ومطّاطاً كـ«الإضعاف»، قابلاً لتأويلات متعدّدة، وقد يُستنتج منه فقط أن المطلوب هو إطالة أمد النزاع. وبعد الاختراقات الميدانية التي حقّقتها القوات الأوكرانية في الشهرَين الماضيَين، بفضْل التكنولوجيا العسكرية الغربية، لمّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى أن بلاده لن تتردّد في استخدام «جميع الوسائل المتوفّرة» لديها للدفاع عن وحدتها وسيادتها، في مقابل استراتيجية التدمير المعتمدة ضدّها، بما فيها اللجوء إلى الأسلحة النووية كخيار أخير. لا تزال لدى روسيا خيارات كثيرة قبل ذلك المذكور؛ ومن الجليّ أن القرارات والإجراءات التي اتّخذتها قيادتها السياسية والعسكرية تندرج في إطار الاستعداد لحرب طويلة، وتهيئة شروط الشروع بهجوم مضادّ كبير، يرجّح الخبراء أن يتمّ مع نهاية الشتاء القادم.
الحروب التقليدية الطويلة كثيراً ما تشهد عمليات كرّ وفرّ كما يقال، والحرب في أوكرانيا هي من نمط هذه الحروب. وما يطيل أمدها، ويمنع إلى الآن انتصاراً روسياً ساحقاً فيها، كما يقرّ المؤرخ البريطاني - الأميركي المحافظ، نيال فرغسون، في مقاله الأخير على موقع «بلومبرغ» بعنوان «كيف يمكن أن تتحوّل الحرب الباردة الثانية إلى حرب عالمية ثالثة»، هو الدعم الغربي الاستثنائي لنظام كييف. تشي ضخامة هذا الدعم بإرادة حاسمة بإلحاق هزيمة مدوّية بموسكو، يَظنّ أصحابها بأنها كفيلة بوقف الانحدار الغربي والتأسيس لمرحلة جديدة من الهيمنة على العالم. قناعة القيادات الأميركية والغربية بأن هذه المجابهة «مصيرية» بالنسبة إلى الموقع الدولي المستقبلي لبلدانهم، هي التي تفسّر انخراطهم فيها، على رغم ما قد ينجم عنها من أخطار مهولة على الأمن العالمي، بما فيه أمن بلدانهم. وهم تجاوزوا، منذ أمد ليس بقريب، الخطوط الحمر الروسية عبر إمداد أوكرانيا بأسلحة نوعية، تَعاظم تدفُّقها في الآونة الأخيرة.
يبقى أن «احتكار» روسيا للأسلحة النووية هو من بين أبرز عوامل اختلال ميزان القوى الإجمالي بينها وبين أوكرانيا. منْح الغرب أسلحة نووية لنظام كييف، كما طالب رئيسه فولوديمير زيلنسكي في كلمة له أمام «منتدى الدوحة» في 26 آذار الماضي، عندما قال إن «تلويح روسيا باستخدام السلاح النووي يشجّع على حيازة هذا النوع من الأسلحة»، سيكون بمثابة إعلان حرب مباشرة على موسكو. ما تكشفه الاتهامات الروسية لنظام كييف حول سعْيه إلى إنتاج «قنبلة قذرة» بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا، هو أن الأطراف الغربية تتّبع استراتيجية خداع مع موسكو شبيهة بتلك التي انتهجتها حيالها منذ بداية التأزّم حول أوكرانيا، وقبل بداية الحرب. أكدت هذه الأطراف أنها لا تريد ضمّ كييف إلى «الناتو»، بينما كانت تضخّ الأسلحة إليها وتدرّب قواتها وتجري مناورات مشتركة معها لتحويلها إلى عضو في الحلف من دون الإعلان رسمياً عن ذلك. تحاول أجهزة الدعاية الغربية تسخيف الاتهامات الروسية، لكن مطالبة موسكو المتكرّرة، وعلى لسان أهمّ مسؤوليها، كوزير خارجيتها سيرغي لافروف، بقيام خبراء من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بزيارة المواقع التي تُصنَّع فيها مثل هذه القنابل، هو في ذاته دليل على ثقتها الكاملة بدقّة المعطيات المتوفرة لديها. من غير الوارد أن توجِّه اتهامات كهذه في خضمّ الحرب الحالية لولا تأكّدها من صحّتها. مَن قرَّر توزيع «قنابل قذرة» يلعب بنار سريعة الانتشار.