يكاد يكون محسوماً أن التعاون العسكري الروسي - الإيراني، الآخذ في التصاعد في الحرب الأوكرانية، سيؤثر في مجمل العلاقات بين البلدَين، سواءً في شكلها العام، أو في أشكالها المتّصلة بكلّ ساحة من الساحات المشتركة على حِدَة. ومن هنا، تتّجه أنظار المراقبين وتتركّز على سوريا، حيث أوّل تجربة تعاون روسي - إيراني عسكري مباشر في ميدان مليء بالتعقيدات وتشابك المصالح وتنافرها. ولعلّ أبرز المهتمّين و«القَلِقين» على هذا الصعيد، هم قادة المؤسّسة الأمنية في كيان العدو الإسرائيلي، الذين يراقبون بحذر شديد مسار التعاون العسكري الروسي - الإيراني في أوكرانيا، وانعكاساته على الوقائع القائمة في سوريا، حيث تشكّل العلاقة «المستقرّة» بين تل أبيب وموسكو، أحد المداميك الأساسية التي قام على أساسها الواقع السوري الراهن. والمعلوم أن استراتيجية العدو الأمنية هناك، تتمثّل في ما بات يُعرف بـ»المعركة بين الحروب»، لمنع نقل وتطوير قدرات تسليحية نوعية لمصلحة قوى المقاومة، ولا سيما «حزب الله»، بالإضافة إلى منع تثبيت بنية تحتية عسكرية لـ«محور المقاومة» في الجنوب السوري. وبعيداً من نقاش مستوى نجاح أو فشل هذه الاستراتيجية، فإنها لا تزال قائمة، بالتالي، فإن العدو يخشى من أيّ تغيّرات قد تؤثّر فيها، أو تهزّ من استقرارها، بالحدّ الأدنى.أمس، عقد وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، مناقشات أمنية، حضرها رؤساء الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش، ناقشت طلب أوكرانيا تزويد جيشها بمنظومات دفاعية لمواجهة الطائرات المسيّرة - إيرانية الصنع - التي يستخدمها الروس في استهدافات حسّاسة ودقيقة في العمق الأوكراني. وفي ختام المناقشات، تَقرّر «إطلاق تصريحات واضحة ترفض بشدّة تزويد أوكرانيا بأسلحة ومنظومات دفاع جوي»، بحسب وسائل الإعلام العبرية. يبدو القرار مفهوماً وطبيعياً؛ إذ وفقاً لتقرير في «هآرتس»، ثمّة «اعتقاد لدى المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، بأن تزويد أوكرانيا بمنظومات دفاعية من شأنه خرق المعادلة مع الروس في الساحة السورية»، وهذا «الأمر سيدفع روسيا إلى تزويد سوريا وإيران بمنظومات دفاع جوي متطوّرة، من طرازَي أس-300 وأس-400، ستشكّل مصاعب أمام تنفيذ إسرائيل هجمات جوّية في سوريا». ويؤكد المسؤولون في المؤسّسة الأمنية أن «أيّ مساس بالسيطرة الحصرية لسلاح الجو الإسرائيلي في المجال الجوّي في المنطقة، يُعتبر استهدافاً لأهمّ الموارد الاستراتيجية للجيش».
قد يكون الثمن المحلّي للحرب الأوكرانية، تغيّراً جوهرياً في قواعد اللعبة في سوريا


على أن الإسرائيليين لا يخشون من تأثيرات التعاون الروسي - الإيراني على الساحة السورية فقط، بل تمتدّ الخشية إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إلى عموم المنطقة، من إيران إلى العراق واليمن وصولاً إلى سوريا ولبنان. إذ إن أيّ تطوّر نوعي في مستوى التسليح في أيّ من هذه الساحات، ناجمٍ عن تعاون روسي ما، من شأنه على الأقلّ أن يربك الحسابات الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتفوّق الجوّي. ولعلّ أكثر ما يخشاه العدو في هذا المجال هو أن يكون ثمن الدعم الإيراني للروس، هو منظومات - أو تقنيات منظومات - دفاعية جوّية من الأنواع الروسية المتطوّرة. وفي انتظار ما سيتكشّف في المرحلة المقبلة، يبدو أن القراءة الإسرائيلية لتطوّر الموقف، تنطلق من قاعدة محورية، مفادها: التعاون الروسي - الإيراني في أوكرانيا، لا يعني بالضرورة تعاوناً روسياً - إيرانياً غير تقليدي في سوريا، بل إن انخراطاً إسرائيلياً في الحرب إلى جانب أوكرانيا، هو بالضرورة سبب منطقي لقرار روسي بتعاون استثنائي أكبر مع الإيرانيين في سوريا.
خلال الأيام الماضية، حفّز مرور ما يزيد على شهر كامل على آخر عدوان إسرائيلي على الأراضي السورية، النقاش حول الثمن الذي سيسدّده الروس للإيرانيين، مقابل دعم الأخيرين. وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، شارك في هذا النقاش، وأكد أنه «لم تكن هناك ضغوط من روسيا لعدم تنفيذ هجمات في الأراضي السورية خلال الفترة الحالية»، مشيراً إلى أن العدو يتحرّك «بحسب الحاجة وليس وفقاً لأيّ أجندة أخرى». ربّما يكون صحيحاً ما يقوله غانتس، لكن هذا لا يبدّد المخاوف الإسرائيلية المتزايدة، إذ في مرحلة ما، قد يكون الثمن المحلّي للحرب الأوكرانية، تغيّراً جوهرياً في قواعد اللعبة في سوريا.