بحسب تقارير منشورة في الدول الغربية، وكذلك في إسرائيل، يَستخدم الجيش الروسي في الحرب على أوكرانيا، أنواعاً متعدّدة من المسيّرات الإيرانية، من بينها (موقع "كالكاليست" العبري، 30-09-2022) مثلاً، «مهاجر 6»، وهي طائرة مسيَّرة كبيرة يبلغ طول جناحَيها حوالى 10 أمتار، وتحلّق على علوّ خمسة كيلومترات. وهي مخصَّصة لمهام المراقبة واستهداف بطّاريات المدفعية، خاصة بعد أن جرى تطويرها بإمكانات هجومية. يمكنها التحليق مدّة 12 ساعة، وقادرة على تتبّع تحرّكات العدو ليل نهار. تحمل قنابل انزلاقية لضرْب الأهداف المتحرّكة، إضافة إلى صواريخ مُوجَّهة هي نسخة عن صاروخ «غيل» الإسرائيلي، الذي اغتنمه «حزب الله» من الجيش الإسرائيلي عام 2006. ونَقل الإيرانيون، أخيراً، بعضاً من هذه الطائرات إلى الحكومة الإثيوبية، التي نجحت عبر استخدامها في وقْف هجوم المتمرّدين في منطقة تيغراي، وربّما أيضاً (وفقاً للتقرير العبري نفسه) أنقذت العاصمة أديس أبابا من السقوط. وبواسطة «مهاجر 6»، أيضاً، تمكّن القادة الروس من حلّ مشكلة كانت مستعصية لديهم، وهي إمكانية شنّ هجمات قصيرة، إذ إن هذه الطائرات تُمكّن القادة من الحصول على صور تضاريس حديثة قريبة، وهو ما يتيح لهم لاحقاً اختيار خطّة تتناسب مع الواقع الميداني، عند اتّخاذ قرار الهجوم.
السؤال الذي يفرض نفسه في تل أبيب، يتعلّق بالثمن الذي ستْدفعه موسكو لطهران
الطائرة الثانية المستخدَمة في أوكرانيا هي «شاهد 191»، وهي نسخة إيرانية من طائرات الاستطلاع والمراقبة الأميركية «آر كيو 170»، التي أقلعت إحداها من أفغانستان وتحكّمت بها إيران وأنْزلتها في أحد مطاراتها، ومن ثمّ عمل مهندسوها على استنساخها. تَمنح هذه الطائرة الجيش الروسي القدرة على المراقبة الاستراتيجية في عمق أوكرانيا، وتحديد الأهداف وتدميرها في المناطق الخلفية، وإنتاج مواد استخباراتية تكتيكية مفصّلة، تجعل من الممكن مهاجمة المنشآت وأنظمة الأسلحة في ساحة المعركة نفسها. أمّا الطائرة الثالثة فهي المسيّرة الانتحارية «شاهد 136»، التي يبلغ طول جناحَيها ما يقرب من مترَين. وهي قادرة على حمل 40 كيلوغراماً من المواد المتفجّرة، ومصمَّمة لتدمير أهداف نُقطوية مِن مِثل البنية التحتية والرادارات وأنظمة المدفعية والمقرّات الرئيسة. يتمّ توجيهها إلى هدفها بمساعدة الأقمار الصناعية، وهي فعّالة جدّاً ضدّ الأهداف الثابتة، علماً أن ثمّة تقديرات عن نموذج آخر من هذه الطائرة برأس حربي موجَّه، يسمح بضرب أهداف متحرّكة.
إسرائيل: تهديدات... وفرص؟
لا تُخفي إسرائيل قلقها من التعاون العسكري الإيراني - الروسي في مجال المسيّرات، وكذلك في مجال الصواريخ الدقيقة القصيرة والمتوسّطة المدى، والتي بدأت التقارير تفيد بأنها في مرحلة الإعداد لتزويد الجيش الروسي بها. بالنسبة إلى تل أبيب، الفرص محدودة، وهي تتعلّق بتعزيز الموقف الإسرائيلي المُعادي لإيران، عبر استحداث مادّة تحريض جديدة ضدّ الأخيرة، بما يفيد في تصعيد مستوى العداء الغربي لها. أمّا المراقب العسكري الإسرائيلي، فسيكون له أن يعايِن فاعلية السلاح الإيراني وتأثيره، كي يستعدّ لمواجهته في «لحظة الحقيقة». إلّا أن للتهديدات مستويات واتّجاهات متعدّدة، يمكن تلخيصها بالآتي:
أوّلاً: في مقدّمة التهديدات، مراكمة الجانب الإيراني، التصنيعي والتشغيلي، تجربة معتدّاً بها جرّاء استخدام الجيش الروسي المسيّرات الإيرانية. إذ سيصبح لدى الإيرانيين حقل تجارب عملي وواقعي، محسوس ومادّي، يتيح لهم معاينة قدرات المسيّرات على اختلافها، واستكشاف ما فيها من ثغرات، حتى يَجري العمل على تلافيها في إنتاج ما سيلي من نسخات أكثر تطوّراً من النوع نفسه، فيما ما يُثبت نجاعته يُصار إلى تعزيزه وتطويره إلى مستويات أعلى. والتجربة هنا لا تقتصر الإفادة منها على مجال الإنتاج، بل تمتدّ أيضاً إلى تحسين الأداء التشغيلي لـ«الدرونز»، سواءً لدى الجانب الإيراني، أو لدى حلفائه، حيث الاحتكاك المباشر مع إسرائيل.
ثانياً: يَختصر استخدام السلاح الإيراني في أوكرانيا، سنوات طويلة من الجهد والبحث والتجارب والتطوير من الجانب الإيراني، وهذا وحده يُعدّ مصدر إقلاق لإسرائيل، خاصة أن ما لدى إيران من خبرة يجري نقله أيضاً إلى حلفائها في المنطقة، المتاخمين مباشرة للكيان الإسرائيلي.
ثالثاً: تخشى إسرائيل أن ترتبط المصلحة القومية الروسية، وفقاً لمسار التعاون الحالي وما يُقدَّر أن يليه لاحقاً، بالمصلحة الإيرانية، الأمر الذي من شأنه أن يبعد روسيا عن الحيادية تجاه ما يضرّ بإيران، سواءً في ما يتعلّق باستقرارها الداخلي أو نفوذها في الخارج، وأن ينأى بموسكو أيضاً عن أسلوب «البيع والشراء» إزاء مصالح طهران، بالمستويات التي كانت تُراهن عليها تل أبيب والعواصم الغربية. وعلى ذلك، تتغيّر المعادلات والموازين المعمول بها ووفقها، في المنطقة وخارجها.
رابعاً: تعاملت إسرائيل مع روسيا طويلاً، بوصْفها «رئة» لإيران، فراهنت عليها كثيراً في أن تضغط على الجانب الإيراني، عبر معادلات وأخذ وردّ ومصالح متبادلة، لتحقيق ما لا يمكن لها أن تُحقّقه هي، وراعيتها أميركا، بصورة مباشرة. إلّا أن المتغيّر الجديد، وما قد يَعقبه، من شأنه أن يقلب المعادلة، لتتحوّل إيران نفسها إلى «رئة» روسية، ما يعني بالضرورة والتبعية ضرراً استراتيجياً واسع النطاق لإسرائيل.
ثالثاً: السؤال الذي يفرض نفسه في تل أبيب، يتعلّق بالثمن الذي ستدفعه موسكو لطهران، جرّاء مساعدة الأخيرة، الأولى، في الحرب الأوكرانية. هنا، تتعدّد الفرضيّات، وجميعها - بالمناسبة - سيّئة لإسرائيل، إلّا أن أبرزها اثنتان: أولاهما، تزويد روسيا، إيران، بتقنيات عسكرية متطوّرة، ليس من شأنها إقلاق إسرائيل فحسب، بل وأيضاً شركاءها الإقليميين الجدد والقدامى الذين سيعيدون التفكير في مقاربتهم العدائية لطهران؛ وثانيتهما - وهي قد تكون ملازمة للأولى أو منفصلة عنها - فتتعلّق بنوع من الخدمات الإقليمية، عبر فرْض الإرادة الروسية «الردعية» لمجاراة المصلحة الإيرانية، كما هو الحال في سوريا؟ وفقاً لدراسة بحثية عبرية (معهد القدس للاستراتيجيا والأمن)، «يُفترض أن الإيرانيين طلبوا من الروس، إطلاق يد إيران لتثبّت نفسها في سوريا، عبر إنهاء الموافقة الروسية الصامتة على هجمات إسرائيل»، فهل في الإجابة المفترَضة إسرائيلياً على هذا الطلب، تفسير لامتناع الكيان عن شنّ غارات في سوريا، لأكثر من ثلاثين يوماً متواصلة؟ الإجابة تكمن في اختبار الزمن.