طهران | تخشى إيران من احتمال تغيير الحدود بينها وبين أرمينيا، يومَ يُعاد تشكيل المنطقة لتتناسب مع مصالح أذربيجان التي فازت في جولة الاقتتال الأخيرة بينها وبين جارتها، ما أدى إلى استعادتها جزءاً من قره باغ الواقعة على الحدود مع الجمهورية الإسلامية. وتريد باكو الوصول إلى نخجوان ذاتية الحُكم من طريق إنشاء ممرّ عبر محافظة سيونيك جنوب أرمينيا، يصلها مباشرة بتركيا، لكنها تَعتبر يريفان وطهران أكبر عائق يَعترض خطّتها في هذا الاتجاه. وفي ضوء هذه التعقيدات، أطلق الحرس الثوري مناورة «إيران القوية» التحذيرية - وهي الثالثة منذ انتهاء الحرب - لتظهير جاهزيته في حال اندلاع أيّ نزاع مستقبلي
وسط الظروف الملتهبة في الداخل الإيراني، وبعد أيّام من تحذير الرئيس إبراهيم رئيسي، نظيره الأذربيجاني إلهام علييف، من أن إيران تعارض أيّ تغيير للحدود بينها وبين أرمينيا، بدأ الحرس الثوري، الاثنين، وعلى مدى ثلاثة أيّام، مناورات في منطقة نهر أرس الحدودي العامة، والذي يشكّل حدود إيران مع «جمهورية» نخجوان ذاتية الحُكم (تُعدّ جزءاً من أراضي أذربيجان، لكنها غير متّصلة بحدودها، بل تشترك في الحدود مع أرمينيا شمالاً، وإيران جنوباً)، وجمهوريتَي أذربيجان وأرمينيا. وتُعدّ المناورة الحالية الأضخم منذ انتهاء حرب قره باغ، على رغم أن الجمهورية الإسلامية أجرت، منذ ذلك الحين، ثلاث مناورات في المناطق الحدودية مع هذه البلدان. ونفّذت إيران المناورة السابقة في تشرين الأول من العام الماضي، بمشاركة القوات البرّية للجيش والحرس الثوري، ردّاً على ما قالت إنه «التواجد العلني والخفي للعناصر الإسرائيلية في بلدان المنطقة» واحتمال تغيير الحدود.
وتشارك في المناورة الحالية، التي تحمل اسم «إيران القوية»، القوات البرّية للحرس، وهي تُنفَّذ في محافظتَي أردبيل وأذربايجان الشرقية في شمال غربي إيران، في مجالات مختلفة، بما فيها عمليات الطائرات المُسيّرة القتالية والانتحارية، والسيطرة على الطرق والمواصلات، والاستيلاء على المرتفعات، والتخريب الهجومي، وكذلك إنشاء جسر عائم على نهر أرس لنقل التجهيزات والقوات. ولفت التدريب الأخير انتباه المراقبين، الذين اعتبر أغلبهم أن ذلك الإجراء يدلّل على «جاهزية» إيران للدخول إلى أراضي أذربيجان في حال اندلاع حرب، وقيّموه بأنه قد يمثّل رسالة تحذيرية إلى باكو. وفي هذا الإطار، أكد قائد القوات البرية للحرس، محمد باكبور، أن «رسالة هذه المناورة للأعداء هي أن القوات البرية للحرس الثوري، ستردّ بحزم على أيّ تهديد». وقبل انطلاق مناورة «إيران القوية»، وتحديداً خلال اللقاء الذي جمع رئيسي إلى علييف، في 13 الجاري، على هامش مؤتمر «سيكا» الذي عُقد في كازاخستان، رفض الأوّل بوضوح أيّ تغيير للحدود بين إيران وأرمينيا، قائلاً إن التغييرات الحدودية ستواجَه «بردٍّ إيراني حازم»، وإن الجمهورية الإسلامية ترفض أيّ وجود عسكري لأوروبا في المنطقة تحت أيّ غطاء كان.
إنشاء ممرّ في أرمينيا، سيجعل إيران تخسر ميزتها في مجال الترانزيت والتنقّل بين أذربيجان ونخجوان وتركيا


ويدور خلاف بين أذربيجان وأرمينيا، منذ سنوات، حول منطقة قره باغ المتاخمة لإيران على حدود تمتدّ لـ28 كيلومتراً، والتي تُعرف بممرّ «زنغة زور». وتريد باكو الوصول إلى نخجوان من طريق إنشاء ممرّ عبر محافظة سيونيك جنوب أرمينيا، يصل أذربيجان مباشرة بتركيا، لكنها تَعتبر أرمينيا وإيران أكبر عائق يَعترض خطّتها في هذا الاتجاه. وسيسهّل مشروع تفعيل هذه الطريق البرّية التي تحظى بدعم كلٍّ من تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية، الارتباط البرّي بين آسيا وأوروبا من دون الحاجة إلى المرور الترانزيتي عبر إيران، كما سيتيح لأنقرة الوصول مباشرة إلى منطقة آسيا الوسطى والقوقاز. وفي ظلّ تكثيف العقوبات الدولية على طهران، تفيد بعض التقارير بأن الأخيرة تَستخدم هذه الحدود الضيّقة للالتفاف على العقوبات، وهو ما أسهم في تعميق علاقاتها مع يريفان. ومن هنا، يُقلق إيران إيجادُ ممرّ بين أذربيجان ونخجوان يمرّ عبر حدود أرمينيا أو إيران، ويربك التواصل والارتباط البرّي بينها وبين منطقة القوقاز، ويجعلها تعتمد على تركيا للتواصل مع أوروبا. وعلى صعيد آخر، فإن إنشاء ممرّ في أرمينيا، سيجعل إيران تخسر ميزتها في مجال الترانزيت والتنقّل بين أذربيجان ونخجوان وتركيا. وعلى هذه الخلفيّة، كرّر القائد العام للحرس الثوري، حسين سلامي، خلال رعايته مراسم افتتاح المناورة، قوله إن «خطّنا الأحمر هو ألا يتغيّر أي شيء في جغرافيا المنطقة»، داعياً الجارتَين الشماليتَين إلى تسوية خلافاتهما بالطرق غير العسكرية، ومحذّراً من أنه إذا تعرّضت مصالح بلاده للخطر بسبب الاشتباكات «فحينها لن نقف موقف الحياد وسندافع عن مصالحنا». وفي وقت سابق، كان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، أشار إلى أنه «إنْ كانت ثمّة سياسة ترمي إلى إغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارضها؛ لأن هذه الحدود هي طريق للمواصلات عمرها آلاف السنين».
وترى وسائل الإعلام والخبراء في إيران أن هذه الحدود استراتيجية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، إذ إن «حذف الخطّ الحدودي بين إيران وأرمينيا والتغيّرات الجيوسياسية في القوقاز، سيجعلان التبادل التجاري يمرّ بتحديات». ويرى مسؤولون إيرانيون أن أذربيجان - وبتحريض ودعم من أميركا وإسرائيل - بصدد الاستيلاء على تلك المنطقة من أجل قطع الارتباط التجاري لإيران مع العالم. وإزاء ما تقدَّم، ذكرت بعض وسائل الإعلام أن مراقبي الاتحاد الأوروبي سينتشرون، خلال الأسبوعين المقبلَين، على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان لاحتواء الأزمة، وهو ما يمثّل تطوّراً مهمّاً على صعيد تطبيع العلاقات بين البلدَين، بيدَ أن إبراهيم رئيسي لمّح إلى معارضة بلاده الوجود الأوروبي؛ إذ يتخوّف مسؤولو الجمهورية الإسلامية من أن الحضور الإسرائيلي والأوروبي، ودعم الطرفَين لجمهورية أذربيجان، سيؤدّيان - في خاتمة المطاف - إلى تغيير الحدود وفقدانها.