طهران | دخلت الاحتجاجات التي اندلعت في إيران عقب وفاة مهسا أميني، أسبوعها الرابع. وعلى رغم تراجُع نطاقها مقارنة بالأسبوع الأول، بيد أن المناخ العام الذي يسود الجمهورية الإسلامية، ما زال ملتهباً ومتوتّراً؛ إذ تفيد المعطيات الميدانية والتقارير المستقاة بأن الاحتجاجات توسّعت خلال الأسبوعَين الأخيرَين، في أيّام السبت خصوصاً، فيما اتّسمت بالهدوء النسبيّ خلال أيّام الأسبوع الأخرى. في هذا الوقت، أصدرت جماعة تطلق على نفسها «شباب أحياء طهران»، دعوةً إلى التجمّع في الساحات والشوارع الرئيسيّة ابتداءً من الساعة 12 من ظهر اليوم الأربعاء حتى الفجر، وهي المجموعة نفسها التي أعلنت، سابقاً، تشكيل مجموعات شباب الأحياء في عدّة مدن إيرانية.ولا تتركّز الاحتجاجات في العاصمة، في منطقة بعينها، بل تندلع بشكل متفرّق وفي أحياء مختلفة. وفضلاً عن ترديدهم شعارات مناهضة للنظام، يلجأ المحتجّون إلى ممارسات، مِن قبيل إغلاق الشوارع وإضرام النيران في مستوعبات القمامة، فيما تعمل قوات الأمن على تفريقهم إنْ باستخدام الغاز المسيّل للدموع والهراوات، أو باللجوء إلى بنادق «بينت بول» في بعض الحالات. وعلى مدى الأيام الأخيرة، كانت مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان الإيرانية، التي تتبعها أيضاً مدينة سقز - مسقط رأس مهسا أميني -، أكثر المدن الإيرانية اضطراباً وتوتّراً، إذ تُسمع في الفيديوات التي انتشرت أخيراً من سنندج، أصوات إطلاق نار متواصل، علماً أن الكثير من الأحزاب الكردية الإيرانية، بما فيها «كومولة» و«ديموقراط» و«بيجاك»، مسلّحة، وتتمتّع بإسناد لوجستي من مناطق في إقليم كردستان العراق. وعلى رغم بعض الدعوات التي وُجّهت إلى أصحاب المهن والمحال التجارية للإضراب عن العمل وإقفال محالّهم، إلا أنها لم تلقَ، حتى الآن، ترحيباً يُذكر. وفيما تُواصل هذه المؤسّسات التجارية عملها المعتاد، انتشرت، السبت، صور تُظهر إغلاق المحال في سوق طهران الكبير (البازار)، وهو ما اعتبرته بعض وسائل الإعلام المعارضة استجابةً للدعوات إلى الإغلاق، غير أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن معظمها أَقفل أبوابه خشية التعرّض للتخريب من جرّاء الاحتجاجات.
أمّا بالنسبة إلى أعداد القتلى، خلال الأسبوع الأخير، فكانت أقلّ من الأسابيع السابقة. وفي الوقت ذاته، لم تنتظم خدمة الإنترنت بعد، إذ أقدمت الحكومة، لأسباب وصفتها بـ«الأمنية»، على حجب منصّتَي «إنستغرام» و«واتسآب». وعلى رغم هذه الإجراءات، أشار الناطق باسم الحكومة الإیرانیة، علي بهادري جهرمي، أمس، إلى توصية رئيس الجمهورية، إبراهيم رئيسي، بتوفير مساحة للتعبير عن الاحتجاجات العامة. في المقابل، أعلن مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية والشرطية، مجيد مير أحمدي، أن «الأشخاص الذين يُعتقلون خلال أعمال الشغب، لن يُطلق سراحهم إطلاقاً حتى موعد المحاكمة، على أن تُقام محاكمتهم على وجه السرعة، وتَصدر في حقّهم أحكام حازمة ورادعة للغاية». في الموازاة، توجّه رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إجئي، إلى «جميع التيّارات والمجموعات والأطياف السياسية والفئات وحتى أشخاص من الجماهير»، قائلاً إنه جاهز للحوار معهم «إنْ كان لديهم ثمّة غموض واستفسار وانتقاد واحتجاج».
وتفيد تقارير بأن بعض السفارات الأوروبية ومنطقة الشنغن في طهران، ألغت جميع مواعيد طلب التأشيرات حتى نهاية الشهر الجاري، وهي لم تَعُد تتسلّم أوراقاً أو ملفّات جديدة. ويبدو أن هذا الإجراء اتُّخذ في أعقاب «تزايُد احتمالات هجرة» الإيرانيين في الظرف الحالي. وفي الوقت ذاته، ألغت كلّ من ألمانيا وإسبانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وأوستراليا، جميع رحلاتها السياحية إلى إيران. وتحدّثت وزارة الأمن الإيرانية، الأسبوع الماضي، عن اعتقال تسعة أجانب بتهمة «تنظيم وتدريب» الاحتجاجات في إيران، وهم من مواطني فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وبولندا. وفي أعقاب ذلك، نصحت بعض الدول - بما فيها ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا وكندا - مواطنيها بتجنّب السفر إلى إيران. وفي الإطار نفسه، أشار الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أول من أمس، إلى أن التحقيق جارٍ في شأن دور الرعايا الأجانب الذين اعتُقلوا خلال أعمال العنف الأخيرة في إيران، وتمّ تقديم المعلومات اللازمة إلى سفارات بلدانهم.
وفي خضمّ الاحتجاجات المتواصلة، تدور نقاشات ساخنة في وسائل الإعلام الإيرانية حول أسباب الأحداث الأخيرة ودراستها. وفي هذا المجال، أشارت صحيفة «كيهان» الأصولية، في مقال افتتاحي، إلى الفرق بين «الفضاء الافتراضي» و«الفضاء الحقيقي» في سياق وصفها للتطوّرات الأخيرة في إيران، قائلةً بلغة ساخرة: «إن الجمهورية الإسلامية، ستَسقط لكن في الفضاء الافتراضي فقط». وأضافت إنه «لمشاهدة الحقيقة، يكفي أن تضع هاتفك الذكي جانباً لفترة وجيزة، وتَخرج من البيت وتتجوّل في العالم الحقيقي في ضوء الأمن الذي وفّرته الجمهورية الإسلامية في واحدة من أكثر مناطق العالم انعداماً للأمن، وأن تستمتع بتجوالك في الشوارع لترى أن لا شيء يحدث هناك!». من جهتها، تطرقت صحيفة «إيران» الحكومية إلى الهجمات التي شنّتها، قبل أسبوعين، المجموعات المسلّحة في زاهدان جنوب شرق إيران، على مراكز الشرطة، وكذلك ضبط كمّيات كبيرة من السلاح والمتفجّرات في مناطق مختلفة من البلاد، لتحذّر من سيناريو «سوررة إيران (تحويل إيران إلى سوريا ثانية)».
لم يبدِ أصحاب المهن والمحال التجارية ترحيباً يُذكر بدعوتهم إلى الإضراب عن العمل وإقفال محالهم


وعمدت صحيفة «خراسان» الأصولية، بدورها، إلى تقييم التطوّرات الأخيرة من وجهة نظر علم الاجتماع، وكتبت: «إن المجتمع الإيراني، اليوم، يقاسي من التحدّي الجادّ المتمثّل في ثنائية الاستقطاب، وهو الاستقطاب الذي يبحث عن أنصار ومؤيدين له من القطاع الرمادي للمجتمع في أزمات مثل أزمة هذه الأيام في البلاد، وهو ما يؤدّي، في ضوء تكثيف ثنائية القطب وتضخّم الجسم الاجتماعي، إلى تصعيد الراديكالية والتضحية بمطالبات المجتمع العادلة. ولاحتواء ثنائية القطب هذه، لا سبيل سوى زيادة الحلم والأناة في المجتمع النخبوي وصفوة القطبَين وتعميمها على القطاع الرمادي للمجتمع. وللوصول إلى تسامح معقول، أي توطيد ما يجمعنا وإطاقة ما يفرّقنا، لا خيار أمامنا سوى اعتماد الحوار». في المقابل، سلّطت صحيفة «أرمان أمروز» الإصلاحية الضوء على الاحتجاجات من زاوية تطوّر الأجيال، ونقلت، في هذا الإطار، عن الصحافي والناشط السياسي، أحمد زيد أبادي، قوله إن «الجيل الجديد له مطالب عديدة. الجيل الذي يَعتبر نفسه تائهاً ومحروماً، ويريد كسب الاعتراف بنمط حياته ورفع الضغوط عنه، وأن يحظى بالاحترام وأن تتوافر له فرص العمل». وأضاف إنه «إن تمّ التعامل مع هذا الجيل بالهراوات والقوّة، فإن ردّ فعله التالي سيتّسم بابتعاد أكثر حدّة وشدّة بالتأكيد، لأنك لا تستطيع عرقلة المرء وتجاهل إرادته. ومهما كان، فإنه سيتمرّد. والحلّ يكمن في تغيير منظومة رؤاه، وإفساح المجال أمام تشكيل الأحزاب وممارسة الأنشطة المدنية والانفتاح في الجامعات».