قُوبل ضمّ بوتين للمناطق الأوكرانية الأربع، كما كان مُتوقّعاً، بتنديد تركيا، في تكرار لسيناريو عام 2014، عندما دان رئيس الوزراء السابق، أحمد داوود أوغلو، ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا. واعتبر بيان لوزارة الخارجية التركية أن «هذا الضمّ يُعدّ انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الدولي الراسخة. وبالتالي، لا يمكننا قبوله»، داعياً إلى «الحوار من أجل سلام عادل في أوكرانيا». على أن ذلك البيان يبدو أقرب إلى «الفلكلور» المعتمَد في هكذا حالات، وهو لن يؤثّر، على الأرجح، لا من قريب ولا من بعيد على العلاقات الوثيقة بين أنقرة وموسكو، تماماً كما لم تؤثّر على هذه العلاقات خطوات تركية أكثر سلبيةً تجاه روسيا، مِن مِثل بيع أوكرانيا مسيّرات «بيرقدار»، وإمدادها بمدرّعات صغيرة مضادّة للألغام. على أن الكاتب التركي، حقي أوجال، يعرب عن اعتقاده، في مقال في صحيفة «ميللييات» الموالية لإردوغان، بأن ما قامت به روسيا «سيُفقدها دعم دول مِن مِثل الصين والهند وتركيا، وسيدفع بالعديد من الدول الأوروبية إلى أحضان الولايات المتحدة»، معتبراً أن بوتين، بقرار الضمّ، «يطلق النار على قدميه». إلّا أن أوجال يشير، في الوقت نفسه، إلى أن «ضمّ بوتين إلى بلاده ما يعادل خُمس أوكرانيا، يبدو للوهلة الأولى على أنه تحقيق لحلم روسيا القيصرية، لكن هذا الانطباع تجاوَزه الزمن، حيث ظهر الرئيس الروسي بمظهر المنظّر القومي البارز، مناضلاً بدل أن يكون غازياً»، مضيفاً أن «من الواضح أن بوتين يريد أن يبْقى ستّ سنوات أخرى على رأس روسيا والحزب القومي، وينتقد بشدّة آخر قادة الاتحاد السوفياتي (ميخائيل غورباتشوف خصوصاً) الذين دمّروا الاتحاد وروسيا»، متابعاً أن حديث الرئيس الروسي عن استخدام السلاح النووي «يجب أن يُؤخذ بجدّية».
«الكيمياء القومية» شكّلت أحد العوامل الرئيسة في توافُق الزعيمَين على الكثير من القضايا
أمّا المشكلة الثانية التي ستُواجهها تركيا، فهي تقدُّم الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، بـ«طلب سريع» للانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي». ومع أن أمين عام الحلف، ينس شتولتنبرغ، اعتبر الطلب «غير واقعي اليوم»، وعلى رغم معارضة بلغاريا له منذ الآن، إلّا أن هكذا تطوّر يلقي أعباء إضافية على تركيا، في امتحان العلاقة مع روسيا. صحيح أن موافقة أنقرة المبدئية على طلب السويد وفنلندا الانضمام إلى «الناتو»، قد مرّ من دون تداعيات كبرى على العلاقات بين الأولى وموسكو، غير أن الحالة الأوكرانية تبدو مختلفة تماماً. إذ إن سعْي أوكرانيا لدخول «الأطلسي»، وما مثّله ذلك من خنجر جغرافي وأمني متقدّم في جسد الاتحاد الروسي، كان السبب المباشر لاندلاع الحرب، وبالتالي، فإن تركيا ستكون أمام خيارَين لا ثالث لهما: إمّا الموافقة على الطلب الأوكراني وتخريب العلاقات مع روسيا، أو رفضه والاستمرار في هذه العلاقات. وفي هذا الإطار، يُذكّر محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، بأن «عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، وفقاً لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر، غير ضرورية ومضرّة». كما يذكّر بأن «مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، زبيغنيو بريجنسكي، نفسه، قال عام 2015، إن على أوكرانيا أن تبْقى خارج الحلف حتى لو انضمّت إلى الاتحاد الأوروبي». ويضيف غولر أنه «حتى مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، قال إنه يجب النظر في طلب كييف الانضمام إلى الناتو في وقت آخر، وهذا الموقف يجب أن يكون درْساً للأوكرانيين».