يبدو أن معركة رئاسة الجمهورية في تركيا مقبلة على تطوّرات وتقلّبات ستترك أثرها على مجمل مسارها، كما على نتائجها، وذلك بعدما قطع «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي الممثَّل في البرلمان - من حيث المبدأ - الجسور مع «لقاء الستة» المعارِض، على الأقل في الجولة الأولى من الانتخابات. فقد أعلن الحزب عن تشكيل «تحالف العمل والحرية» اليساري - الاشتراكي مع خمسة أحزاب أخرى، هي: «الحركة العمالية»، «العمل»، «فيدرالية المجالس الاشتراكية»، «العمّال التركي» و«الحرية المجتمعية». ويهدف التحالف، وفق بيان صدر عنه، إلى «وقْف الدمار» الذي أحدثه «تحالف الجمهور» بين حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القوميّة»، والعمل على برنامج اقتصادي من شأنه أن «يقضي على الفقر، ويؤمّن الاحتياجات الأساسيّة للناس، ويجعل نظام الفرد الواحد غير صالح للعمل»، كما الدفاع عن «حقوق العلويين في المواطنة المتساوية مع الجميع»، و«ترسيخ العلمانيّة»، داعياً إلى «التخلّي عن الحروب التوسُّعية»، ولكن «الأهمّ»، إلى إيجاد «حلٍّ للمسألة الكردية».في الأرقام، لا يضيف هذا التحالف الكثير إلى النسبة التي سينالها عصبه الرئيس، أي «حزب الشعوب الديموقراطي»، والتي تقارب الـ10%. وبما أنه أعلن عن نفسه بمعزل عن «لقاء الستة» المعارض، فإن أيّ مرشّح سيدفع به إلى الدورة الأولى من الانتخابات، سيعني عدم حصول أيٍّ من مرشّحَيْ «تحالف الجمهور» أو «تحالف الأمّة» على النسبة المطلوبة للفوز في هذه الدورة، وبالتالي انتقال مرشّحَي السلطة والمعارضة إلى التنافس في الدورة الثانية. وهنا، ستكون لـ«تحالف العمل والحرية» الكلمة الفصل لتحديد مَن يفوز بالرئاسة. لكن في حال قرّر التحالف عدم التصويت في الدورة الثانية، أو ترك الحرية لمؤيّديه، فلن تكون النتيجة محسومة إلى حين فرز آخر الأوراق في صناديق الاقتراع.
سيزور كيليتشدار أوغلو واشنطن بين 9 و13 تشرين الأول الجاري


بهذا، تكون الأنظار شاخصة إلى طاولة «لقاء الستّة» التي يتألّف منها «تحالف الأمّة»، أي أحزاب: «الشعب الجمهوري»، «الجيّد»، «الديموقراطية والتقدُّم»، «المستقبل»، «الديموقراطي» و«السعادة». وتتطلّع المعارضة إلى أن يتّفق «أركان الطاولة» على مرشّح مشترك يكون قادراً على هزيمة إردوغان، لكنّها تتفادى، حتى الآن، البحث في الأسماء التي يمكن البدء في غربلتها، لاختيار مرشّح من بينها. ويمكن الإشارة هنا، إلى أن كلّ عضوٍ من أعضاء اللقاء، يرى في نفسه «المرشّح المشترك»، باستثناء رئيسة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، التي تفضّل الإشراف على حكومة «النظام البرلماني القوي» الذي ستنشئه المعارضة بعد إطاحة إردوغان. في هذه الأثناء، يصول رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، ويجول ويقيم المهرجانات في البلاد كما لو أنه هو المرشّح. وفي حال موافقة حزبه على ترشيحه، فإن الأحزاب الأخرى في «لقاء الستّة» لن يكون لها الرأي نفسه، لكون أصول الرَّجُل العلويّة الكرديّة ستقلّل من حظوظه في الفوز. لهذا، تسعى آقشينير إلى ترشيح شخصيّة غير علويّة من «الشعب الجمهوري»، مِن مِثل رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، العضو السابق في «الحركة القومية» الذي كانت تنتمي إليه زعيمة «الجيّد» قبل أن تنشق عنه وتؤسّس حزبها الذي تعطيه استطلاعات الرأي أكثر من 16% من الأصوات، ما يعني أن أيّ مرشّح للرئاسة لا تؤيّده آقشينير وحزبها، سيُهزَم. وهنا، يظهر اسم رئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بصفته مرشّحاً قويّاً عن «حزب الشعب الجمهوري»، لأن جذوره غير القومية قد تسهم، في ظروف محدّدة، في احتمال استقطابه أصوات «الشعوب الديموقراطي» الحاسمة.
من جهتها، تعتقد بعض الأوساط الإعلامية أن إردوغان ينتظر «بفارغ الصبر» إعلان المعارضة مرشّحها، حتى يقرّر موعد الانتخابات وما إن كانت ستجري في التوقيت المحدّد لها - أي في حزيران المقبل - أم أنه سيقرّر تقديمها. ووفق هذه الأوساط، فإنه في حال حدّدت المعارضة مرشّحها باكراً، أي خلال شهرين على الأكثر، فسيذهب الرئيس التركي إلى انتخابات مبكرة، قبل أن تستجمع المعارضة قوّتها حول المرشّح الجديد. وفي حال كان مرشّح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو، فسيتنفّس إردوغان الصعداء، إذ يسهل عليه «اصطياده» بسبب خلفيّته الدينية والإثنية، كما أن هزيمة منصور ياواش ستكون في متناول اليد، لأنه «سيُحرم» نهائيّاً من أيّ تأييد كردي بسبب جذوره القومية. وإلى أن تتّضح الصورة، فإن السؤال الذي بدأ يُطرح في الدوائر الداخلية يدور حول ما إن كان الغرب المعادي لبقاء إردوغان في السلطة، سيقوم بدور حاسم في تحديد اسم مرشّح المعارضة، وما إن كان سيضغط على «الشعوب الديموقراطي» لتأييد هذا المرشّح، كون واشنطن المتحالفة مع «قوات حماية الشعب» الكردية في سوريا، «تمون» على الأكراد وعلى «الشعوب الديموقراطي». وعلى هذه الخلفية، يُشار إلى زيارة كيليتشدار أوغلو المرتقبة إلى واشنطن، بين 9 و13 تشرين الأول الجاري. ما تقدَّم، يدفع أقلاماً موالية لإردوغان، مثل صحيفة «يني شفق»، إلى اتهام المعارضة بالتحالف سرّاً مع «الشعوب الديموقراطي» (ومن خلفه «العمّال الكردستاني») وجماعة فتح الله غولين، ليكون اللقاء الفعلي بين ثمانية وليس ستة أحزاب. وكل ذلك، تقول الصحيفة، يهدف إلى إسقاط إردوغان في صناديق الاقتراع في حزيران المقبل، وبفارق محترم.