موسكو | لم تكن زيارة وفد «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى محطّة زابوروجيا للطاقة النووية في جنوب أوكرانيا، لمعاينة الوضع عن كثب، في ظلّ تَواصل استهداف القوّات الأوكرانية للمحطّة، هي الحدث الأبرز في يوميّات الحرب هناك، بل تَمثّل هذا الحدث في محاولة قوّات كييف السيطرة على المحطّة في عملية هجومية مباغتة. وبحسب المعطيات المتوافرة، كانت الخطّة الأوكرانية تقتضي بأن تخترق المجموعة الأولى المكوَّنة من قوّات خاصة، محيط «زابوروجيا»، وتقوم بتمهيد الطريق أمام مجموعة ثانية تضمّ 300 مقاتل من كتيبة «أغورا»، مهمّتهم تنفيذ إنزال والسيطرة على سنسول المحطّة الكهروذرية من جهة الشمال الغربي، ومن ثمّ على محيطها وتطويقها بالكامل. أيضاً، اعتمدت الخطّة على تحصُّن القوّة الخاصة في المفاعلات النووية، وانتظار وفد «الوكالة الدولية»، الذي افترض الأوكران وصوله بعد ساعة من سيطرة تلك القوّة على «زابوروجيا». ووفقاً للمعلومات، فقد كان يُفترض كذلك حصول موجة هجومية ثالثة، لكن كييف ارتأت أن الموجتَين الأولى والثانية كافيتان من حيث التكتيك العسكري لإسقاط المحطّة. والظاهر أنه أريد من هذا المخطّط، وضع روسيا أمام أمر واقع، باستغلال حضور موظّفي «الوكالة الدولية»، وذلك من خلال المطالبة بإعلان «زابوروجيا» منطقة منزوعة السلاح، ما يعني - لو تَحقّق - إفشال مخطّط موسكو في تأمين مصادر الطاقة للمناطق الخاضعة لسيطرتها، والتحكُّم بتلك التي تزوّد المناطق الأوكرانية بالطاقة. ويُضاف إلى ما تَقدّم، أن أوكرانيا كانت تعوّل على نجاح خطّتها في «زابوروجيا»، من أجل الحصول على المزيد من الأسلحة والمعدّات من الداعمين الغربيين. على أن الاستخبارات العسكرية الروسية استطاعت كشف المخطّط الأوكراني. وعلى إثر هذا الكشْف، سمحت القوّات الروسية للقوّة الأوكرانية المهاجِمة بتنفيذ إنزال على ضفاف المحطّة، مُستدرِجةً إيّاها إلى كمين محكَم.
تستمرّ عمليات الضغط الروسي المكثّف لتحقيق خرق في خطّ الدفاع الثاني في دونيتسك


في موازاة ذلك، تعثّرت مجدّداً محاولات كييف المتواصلة لاستعادة السيطرة على منطقة خيرسون، حيث تدور المعارك حالياً في جنوب دافيدوفا برودا، في مؤشّر إلى تحضير القوّات الأوكرانية لموجة هجومية ثالثة من المتوقّع حصولها في الأيام القليلة المقبلة. ووفق الخبراء العسكريين، فإن تلك القوات تستميت في الدفاع عن مواقعها المكتسَبة، ما يعني أنها لم تيْأس بعد من هذه المعركة. على أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، تحدّث عن أن محاولات الجيش الأوكراني شنّ هجوم على محور ميكولاييف - كريفوي روغ واتّجاهات أخرى كبّدته خسائر كبيرة. وأفاد شويغو بأن القوّات الروسية وصلت إلى الحدود الإدارية لمنطقة ميكولاييف في منطقة ألكسندروفكا باتّجاه خيرسون - ميكولاييف، معتبراً أن الهدف الوحيد للهجوم الجنوبي الأوكراني المضادّ هو «خلْق وهم في الغرب بقدرة كييف على مقاومة روسيا».
وتَكشف المعلومات الواردة من مقاطعات وضواحي أوديسا وميكولاييف وزابوروجيا، الواقعة تحت السيطرة الأوكرانية، بأن المستشفيات الميدانية على خطّ الجبهة وفي مناطق الدعم اللوجستي الخلفية لم تَعُد قادرة على استقبال المزيد من الجرحى، ما اضطرّ كييف إلى طلب المساعدة الغربية لنقل عدد من المصابين إلى مناطق في مولدوفا ورومانيا. وعلى هذه الخلفية، طالب القائد العام للقوات المسلّحة الأوكرانية فاليري زالوجني، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بوقف العملية، وفق ما أفادت به معلومات مسرَّبة من قيادة الأركان الأوكرانية. لكن المشاهد المسرَّبة لحشود القوات الأوكرانية في المنطقة، ونوعية الأسلحة الغربية المستخدمة، تشيان بأن زيلينسكي ليس في وارد التراجع عن قراره استمرار الهجمات وتكرارها حتى استعادة خيرسون، على رغم ما يهدّد به هذا الاستمرار من اهتزاز معنوي في صفوف قوّات كييف في ظلّ غياب أيّ خرق جدّي إلى الآن.
أمّا في محاور منطقة دونيتسك، فتستمرّ عمليات الضغط الروسي المكثّف لتحقيق خرق في خطّ الدفاع الثاني البديل، وهو ما يبدو أن القوّات الروسية اقتربت منه بالفعل، في ظلّ سيطرتها على عقدة رئيسة أمس، ما بين بيرفومايسكايا وبيسكي.