سريعاً، أطلق الجمهوريون في الولايات المتحدة، هجوماً مضاداً استهدف الرئيس جو بايدن، والديموقراطيين، بعد مداهمة منزل دونالد ترامب في بالم بيتش في فلوريدا، بحثاً عن وثائق سريّة يعتقد المحقّقون أن الرئيس السابق أخرجها معه بصورة غير قانونية لدى مغادرته البيت الأبيض، واستمرّ في إخفائها بعد إعادة نحو 15 صندوقاً من منزله إلى الأرشيف الوطني، قبل أشهر. وبمعزل عن التداعيات القانونية للمداهمة، والتي يمكن أن تورّط ترامب، إلّا أنها تحوّلت إلى مناسبة للاستغلال السياسي، على بُعد أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني المقبل، والتي يتحفّز الجمهوريون لاستعادة السيطرة على المجلسَين خلالها، وبعدها يبدأ التحضير للانتخابات الرئاسية في 2024، التي يُحتمل أن يخوضها ترامب كمرشّح عن «الحزب الجمهوري». وبعد مهاجمة مكتب التحقيقات الفيدرالي، اتّهم ترامب، الرئيس الحالي، بالعلم مسبقاً بأمر المداهمة، التي وصفها بأنها «هجوم لا يحصل إلّا في دولة منهارة من دول العالم الثالث». لكن البيت الأبيض نفى أن يكون بايدن على علم مسبق بما حدث، مؤكداً أنه اطّلع عليه من التقارير الإعلامية، كبقية الأميركيين. بالمعنى القانوني، تمثّل المداهمة تصعيداً للتحقيق في قضيّة إخراج أوراق سريّة من البيت الأبيض بصورة غير قانونية، لكن الأهم يبقى مضمون هذه الوثائق وما إذا كانت تتضمّن أموراً تعرّض ترامب لمساءلة قانونية. فما زال من غير المعروف ما الذي يبحث عنه مكتب التحقيقات، إلّا أنه، بحسب الخبراء، لم يكن ممكناً للمحقّقين الحصول على مذكّرة تفتيش قضائية لمنزل الرئيس السابق، من دون أن يقدّموا للقاضي مذكّرة خطيّة سريّة تتضمّن سبباً للاعتقاد بوقوع جريمة ما، وأن الدليل على تلك الجريمة موجود داخل منزل ترامب. وقبل أن يباشر المحقّقون عملية تفتيش ذات دلالة سياسية وتاريخية كبيرة من هذا النوع، يتعيّن عليهم، كذلك، الحصول على ضوء أخضر من أعلى السلطات في وزارة العدل، على الأقلّ نائبة وزير العدل ليزا موناكو، أو الوزير نفسه ميريك غارلاند. وتعني المداهمة أن المحقّقين يبحثون عن أكثر ممّا تضمّنته 15 صندوقاً استعادها الأرشيف الوطني من المنزل في كانون الثاني الماضي. وكانت وزارة العدل قد قامت باستدعاءات في ما يتعلّق بالصناديق المذكورة، حيث استجوب مكتب التحقيقات، في الربيع، مساعدين لترامب، في الربيع، كجزء من التحقيق المُشار إليه. من جهته، يمكن ترامب أن يقوم بخطوة قانونية مضادّة في المحكمة تتحدّى الطريقة التي قام بها مكتب التحقيقات بالمداهمة، لإبطال أيّ دليل يحصل عليه المحقّقون خلالها، أو على الأقلّ للحصول على معلومات إضافية حول مضمون التحقيق.
لكن هل يمكن أن يُمنع ترامب من الترشُّح للرئاسة إذا اعتُبر منتهكاً لقانون السجلات؟ يشير الخبراء إلى أنه بالإمكان استخدام قانون يمنع إخفاء أو إزالة أو تشويه السجلّات الحكومية عن قصد، ويهدّد بحرمان مَن يفعل ذلك من تسلُّم منصب عام. لكن ثمّة أسئلة حول دستورية هذا القانون وإمكانية تطبيقه على ترشيح ترامب للرئاسة، إذا ما أدين بموجبه. ولأن الدستور يضع مؤهلات خاصّة لمنصب الرئاسة، ويحدّد إجراءات عزل خاصّة لمنع الرؤساء من الترشُّح للمنصب مستقبلاً، فإن البعض يجادلون بأن الكونغرس ليست له صلاحية تطبيق هكذا قانون على مرشّح للرئاسة. ووصف الجمهوريون التحقيق بأنه ذو دوافع سياسية، مطالبين وزير العدل بإطلاعهم على مضمونه. ودعا نائب ترامب السابق، مايك بنس، الذي كان قد اختلف معه في تحدّيه لنتائج الانتخابات الرئاسية، الوزير، إلى تقديم «كشف كامل» حول سبب التفتيش، قائلاً إنه يشارك ملايين الأميركيين قلقهم من هذه المداهمة غير المسبوقة لمنزل رئيس سابق. كما تعهّد حلفاء ترامب في الكونغرس بإطلاق تحقيق في المداهمة، إذا سيطروا مجدّداً على مجلسَي النواب والشيوخ خلال الانتخابات النصفية المقبلة.
وتضاف هذه الواقعة إلى تحقيقات عدّة يواجهها ترامب، أحدها تقوم به لجنة في مجلس النواب تنظر في تصرّفاته المتعلّقة بما جرى في السادس من كانون الثاني 2021. كذلك، يحقّق مدعٍ عام في فالتون في جورجيا، حول ما إذا كان ترامب ومساعدوه حاولوا التدخُّل لتغيير نتائج اقتراع الولاية في الانتخابات الرئاسية. وأيّدت محكمة فيدرالية، الثلاثاء، قراراً من محكمة أدنى يسمح للمشرّعين بالاطلاع على سجلات الضرائب الخاصة بترامب. وواجه الرئيس السابق، أمس بالذات، استجواباً تحت القسم من قِبَل مكتب المدعية العامة في نيويورك، ليتيسا جيمس، في ما يمثّل نقطة تَحوّل حاسمة في تحقيق مدني مستمرّ منذ فترة طويلة حول احتمال قيام ترامب بتضخيم قيمة أصوله احتيالاً، علماً أنه كان قد قاتل طويلاً لتجنّب هذا الاستجواب، واصفاً التحقيق بأنه ذو دوافع سياسية.
ويثبت مسار الأحداث، منذ الصعود الكبير لترامب، أن المطاردة القانونية المستمرّة له قد تأتي بنتائج عكسية. فحتى لو انتهى أحد التحقيقات إلى إثبات أنه شخص عنيف لا يتورّع عن القيام بأيّ شيء للبقاء في السلطة، أو أنه يتحايل على القانون للتهرّب من الضرائب، إلّا أن ثمة جمهوراً واسعاً من البيض الأميركيين الذين يزداد تمسّكهم به، كلّما زادت تلك المطاردات.