على أن ما تقدَّم ليس فيه ما يستأهل كلّ هذه المخاطرة. فزيارة بيلوسي، دفعت الصين إلى اتّخاذ مجموعة إجراءات، مِن مثل تكثيف تدريباتها العسكرية في محيط الجزيرة، والتي وصفتها بـ«الضرورية والمشروعة». وأفادت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونينغ، بأنه «في الصراع الحالي المحيط بزيارة بيلوسي إلى تايوان، فإن الولايات المتحدة هي المحرّض، والصين هي الضحية»، مذكّرة بأن «علاقاتنا مع واشنطن قامت على أساس مبدأ صين واحدة، وعلى أن تايوان جزء من بلادنا». من بين الإجراءات أيضاً، استدعاء وزارة الخارجية الصينية، مساء أوّل من أمس، السفير الأميركي في بكين، نيكولاس بيرنز، للاحتجاج على خلفية الزيارة غير المعلَنة، ولإبلاغه بأن ما أقدمت عليه بيلوسي «شرير للغاية وعواقبه وخيمة جداً»، وبأنه «خطوة غير أخلاقية»، تمثّل «استفزازاً خطيراً وانتهاكاً لمبدأ الصين الواحدة»، وأنه كان الأجدى منْع إدارة بايدن تلك الخطوة، ولكنّها بدلاً من ذلك «تواطأت» معها، ممّا أدّى إلى تفاقم التوتر في مضيق تايوان وإلحاق أضرار جسيمة بالعلاقات الصينية - الأميركية. من جهته، توعّد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بمعاقبة من يسيء إلى بكين، معتبراً ما حدث «مهزلة خالصة؛ إذ تنتهك الولايات المتحدة سيادة الصين تحت ستار ما يسمّى بالديموقراطية... سيُعاقَب الذين يسيئون إلى الصين حتماً».
ذكّرت الصين أن العلاقات مع الأميركيين قامت على أساس مبدأ «صين واحدة»
لم تَرُق الزيارة لكثيرين؛ من بين هؤلاء، توماس فريدمان الذي لمّح في مقالته المنشورة أوّل من أمس في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن الخطوة جاءت خلافاً لرغبات الرئيس الأميركي، واصفاً إيّاها بـ«الطائشة والخطرة وغير المسؤولة على الإطلاق»، خصوصاً أنها «لن تأتي بشيء جديد، ولن تجعل تايوان أكثر أمناً أو ازدهاراً». الزيارة التي قال فريدمان إنها «رمزية بحتة» كان يمكن، بحسبه، أن تُحدِث «الكثير من الأمور السيئة»، من مثل «ردٍّ عسكري صيني يمكن أن يؤدّي إلى انزلاق الولايات المتحدة في صراعات غير مباشرة مع روسيا والصين المسلّحتَين نووياً، في آن واحد»، فيما توجه إلى بيلوسي بالقول إنها إذا كانت تعتقد أن حلفاء أميركا الأوروبيين، الذين يواجهون ما سمّاها «حرباً وجوديّة مع روسيا حول أوكرانيا»، سينضمّون إلى واشنطن في حال حدوث صراع أميركي مع الصين حول تايوان جراء هذه الزيارة «غير الضرورية»، فإنها «تخطئ بذلك قراءة العالم». وقال: «هناك لحظات في العلاقات الدولية تحتاج فيها إلى إبقاء عينيك على الجائزة التي هي واضحة اليوم وضوح الشمس، وضرورة ضمان أن أوكرانيا قادرة، على الأقل، على تخفيف حدّة الغزو (...) الذي إذا نجح، فسيشكّل تهديداً مباشراً لاستقرار الاتحاد الأوروبي بأكمله»، لافتاً إلى أنه للمساعدة في تعزيز احتمالات تغيير الوضع في أوكرانيا، «عقد بايدن ومستشاره للأمن القومي جايك سوليفان، سلسلة اجتماعات مع القيادة الصينية، وناشد بكين عدم الدخول في الصراع الأوكراني عبر تقديم المساعدة العسكرية لروسيا». بحسب فريدمان، فإن «توقيت الزيارة لا يمكن أن يكون أسوأ، لأن حرب أوكرانيا لم تنته بعد، والمسؤولون الأميركيون قلقون من القيادة الأوكرانية أكثر ممّا يصرّحون به. وهناك عدم ثقة عميق بين البيت الأبيض والرئيس الأوكراني، أكثر بكثير ممّا قيل... الحرب الأوكرانية غير مستقرة ولا تخلو من مفاجآت خطيرة جداً... مع ذلك، وفي خضم كلّ هذا، سنخاطر بالصراع مع الصين حول تايوان، بسبب زيارة تعسّفية وعبثيّة لرئيسة مجلس النواب».