على رغم انشغال الإدارة الأميركية على أكثر من جبهة، داخلياً، حيث تؤرّق انتخابات التجديد النصفي المرتقبة في الخريف الرئيس جو بايدن المتآكلة شعبيّته بفعل الفشل الذي مُنيت به رئاسته على جميع المستويات؛ وخارجياً، حيث تتراجع حظوظ الولايات المتحدة وحلف «الناتو» في كسْب الحرب الطاحنة الدائرة في أوكرانيا مع الروس، لا تزال الصين تشكِّل محوراً رئيساً في سياستها الخارجية، بوصفها «تهديداً راهناً» وتحدّيّاً أمنياً على المدى الطويل، يجب الاعتناء به جيّداً. تمظهر ما تقدَّم في رحلة الرئيس الأميركي إلى آسيا في أيار الماضي، وقبلها جولة وزيرَي الخارجية والدفاع الأميركيَّين، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، في جنوب شرقي القارة، وأخيراً توقُّف رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، في إندونيسيا، ووصفه الجيش الصيني بأنه «أصبح أكثر عدوانيّة وخطورةً في منطقة المحيط الهادئ»، واتّهامه بكين بمحاولة توسيع نفوذها في المنطقة على نحو يُسفر عن تداعيات لا يريدها حلفاء بلاده. ومن جاكرتا، قال ميلي إنّ عمليات الاحتكاك غير الآمنة بين السفن الحربية والمقاتلات الصينية من جهة، والسفن والمقاتلات التابعة للولايات المتحدة ولدول منطقة المحيط الهادئ، تزايدت بشكل ملحوظ أخيراً، داعياً إندونيسيا - التي تستضيف في وقت لاحق مناورات بحرية تشارك فيها الولايات المتحدة - إلى العمل مع الجيش الأميركي من أجل الحفاظ على حرية الملاحة وأمنها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ومن المُقرَّر أن يحضر الجنرال الأميركي اجتماع رؤساء الدفاع في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ في سيدني، هذا الأسبوع، حيث سيجري بحْث تنامي القدرة العسكرية للصين، والحاجة إلى الحفاظ على منطقة المحيط الهادئ حرّة ومفتوحة وسلمية.ويثير واقع نموّ الصين عسكريّاً قلقَ الولايات المتحدة وحلفائها، والذي تزايد في أعقاب إعلان بكين، العام الماضي، زيادة موازنتها العسكرية بنسبة 6.8%، لتحافظ بذلك على وضعها بوصفها ثاني أكبر منفق عسكري في العالم. واستناداً إلى الأرقام الرسمية، تحتلّ الصين المرتبة الثالثة عالمياً من حيث عدد الرؤوس النووية الحربية التي تراوح بين 200 و350 رأساً حربيّة، فيما يرجّح «البنتاغون» أن يبلغ عدد هذه الرؤوس ألفاً على الأقلّ بحلول عام 2030. ويكشف تقرير لوزارة الدفاع الأميركية عن توجُّه صيني لإنشاء مزيد من القواعد الخارجية، تضاف إلى قاعدة جيبوتي، في كمبوديا وميانمار وتايلاند وسنغافورة وإندونيسيا وباكستان وسريلانكا وكينيا وسيشيل وتنزانيا وأنغولا وطاجيكستان.
وجاء توقُّف ميلي في جاكرتا بعد تسريبات إعلامية تحدّثت، الشهر الماضي، عن اعتزام الصين تطوير قاعدة «ريام» البحرية - هي الثانية للصين على المستوى الدولي بعد القاعدة في جيبوتي والأولى لها في آسيا - في كمبوديا، حيث سيستخدم الجزء الشمالي من القاعدة المطلّة على خليج تايلاند حصريّاً من قِبَل الجيش الصيني، الذي بدأ هو الآخر يتوسّع خارج حدود بلاده. وتتساوق هذه الخطوة، مع تحرُّكات بكين المستمرّة لتعزيز نفوذها الإقليمي، بعدما نجحت، في نيسان الماضي، في توقيع اتفاقية أمنية شاملة مع دولة جُزر سليمان، منحتها أوّل موطئ قدم عسكري لها في جنوب المحيط الهادئ، فيما أخفقت، في نهاية أيار الماضي، في التوصُّل إلى اتفاق للتعاون الأمني والتجاري مع دول جزر المحيط الهادئ (فيجي و9 دول أخرى). وفي تعليقه على هذا التوسُّع، قال ميلي: «هذا مجال تحاول الصين أن تقوم فيه بالتواصل من أجل أغراضها الخاصّة. ومرّة أخرى، هذا مقلق لأن الصين لا تفعل ذلك لأسباب حميدة فقط. إنهم يحاولون توسيع نفوذهم في جميع أنحاء المنطقة. وهذا له عواقب محتملة ليست بالضرورة مواتية لحلفائنا وشركائنا في المنطقة».
زيارة ميلي إلى إندونيسيا هي الأولى لرئيس هيئة أركان أميركي منذ الجنرال مايك مولين الذي زار هذا البلد في عام 2008. لكن زعماء الولايات المتحدة عبروا منطقة آسيا والمحيط الهادئ مرات عدّة في الأشهر الأخيرة، بعدما اتّخذت إدارة بايدن خطوات لتعزيز علاقتها العسكرية والأمنية مع دول المحيطَين الهندي والهادئ، كجزء من حملة لبناء شبكة أقوى من التحالفات في الفناء الخلفي للصين، ومواجهة نفوذ الأخيرة المتزايد. وقال ميلي إن دول المحيط الهادئ، مثل إندونيسيا، تريد مشاركة الجيش الأميركي في المنطقة، مضيفاً: «نريد العمل معهم لتطوير قابلية التشغيل البيني وتحديث جيوشنا بشكل جماعي»، من أجل ضمان قدرتهم على «مواجهة أيّ تحدٍ تطرحه الصين».