طهران | يُعتبر الأسبوع المقبل حاسماً بالنسبة للمفاوضات النووية في فيينا، حين يجتمع مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» لبحث ما يراه الغرب «عدم تعاون» من جانب إيران في تبديد الغموض حول آثار نووية مزعومة في ثلاثة مواقع تعود إلى العامَين 2003 و2004. وفي الوقت الذي برزت فيه مؤشّرات إلى إمكانية تبنّي قرار ضدّ طهران خلال الاجتماع، وهو ما توعّدت الأخيرة بالردّ عليه بشكل «حازم ومتكافئ»، ما يعني تعقيد المفاوضات أكثر ممّا هي معقّدة، فإن ثمّة خياراً لم يسقط من الحساب تماماً، وهو اعتماد بيان بدلاً من قرار، بهدف ممارسة مزيد من الضغط على إيران، وفي الوقت نفسه تحاشي المزيد من التصعيد والتوتير
يوماً بعد يوم، تزداد التعقيدات المحيطة بالملفّ النووي الإيراني؛ إذ في الوقت الذي تُراوح فيه المحادثات الرامية إلى إحياء «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي) في فيينا مكانها منذ نحو ثلاثة أشهر على خلفيّة الخلافات بين أميركا وإيران، تتقدّم مجدّداً الخلافات بين الأخيرة و«الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، والتي لم يتمّ البتّ فيها إلى الآن، وسط مؤشّرات إلى تَوجّه القوى الغربية لتبنّي قرار ضدّ طهران في الاجتماع المقبل لمجلس حكّام الوكالة. ووفق المعلومات، فإنّ أميركا والثُلاثي الأوروبي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) أعدّا مشروع قرار لطرحه على الاجتماع، يتمّ بموجبه «تأنيب» إيران بسبب عدم ردّها على أسئلة «الطاقة الذرّية» حول آثار يورانيوم تمّ العثور عليها في مواقع لم يُعلن عنها، ويدعوها إلى «التعاون فوراً» مع الوكالة لتبديد ذلك الغموض.
وعلى الرغم من أنه تمّ خلال إبرام «خطّة العمل المشتركة الشاملة» عام 2015، الإعلان عن تسوية جميع القضايا المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني، إلّا أنّ «الطاقة الذرّية» تقول إنها تلقّت، عقب توقيع الاتفاق، معطيات متّصلة بالعثور على آثار لمواد نووية في ثلاثة مواقع غير مصرَّح عنها من قِبَل طهران. وخلال الزيارة التي قام بها المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، في آذار الماضي إلى إيران، اتّفق الطرفان على وضع خريطة طريق لحسم خلافاتهما حتى شهر حزيران الجاري، غير أن «الطاقة الذرّية» عادت وأعلنت، في تقريرها الجديد الذي سُرّبت أجزاء منه قبل نشره رسمياً، أن أسئلتها السابقة المُوجَّهة إلى الجمهورية الإسلامية، حول آثار جزيئات اليورانيوم التي شوهدت في مواقع مريوان ورامين وتورقوزآباد، بقيت من دون ردّ. كما أعلنت أن احتياطي اليورانيوم المخصّب في إيران، بات يزيد بأكثر من 18 مرّة عن الحدّ المسموح به وفقاً للاتفاق النووي. وتبدي الدول الغربية تخوّفها من أن تتوصّل إيران، من خلال رفعها المحتمل لتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90%، إلى المواد اللازمة لتصنيع القنبلة النووية، فيما تنفي طهران وجود أيّ جهود في هذا المجال، وتقول إن برنامجها النووي سلميّ بحت، وترى أن خفض التزاماتها المنصوص عليها في صفقة 2015، يأتي كردّ فعل على انسحاب واشنطن من الاتفاق.
تتوعّد طهران بـ«ردّ حازم ومتكافئ» على أيّ إجراء «غير بنّاء» من جانب الوكالة الدولية


وعلى رغم أن «الطاقة الذرّية» هي مؤسّسة فنّية وحقوقية، غير أنّ قراراتها تخضع بوضوح لتوجّهات سياسية. والدليل على ذلك أن الملفّ النووي الإيراني لدى الوكالة، أُغلق تماماً بعد توقيع «خطّة العمل المشتركة الشاملة»، لكن الآن، وفي ظلّ العقبات التي تعترض محادثات إحياء الخطّة، عادت المنظّمة لتُبدي تشدّداً أكبر حيال إيران. وبعدما أحجمت الدول الغربية، في الاجتماع السابق لمجلس المحافظين عن التصديق على قرار ضدّ طهران، لمنع انهيار المحادثات، عادت اليوم لتعمل على إعداد مسوّدة مشروع قرار، يستهدف تصعيد الضغط على إيران من أجل حمْلها على التخلّي عن مطالبتها برفع الحرس الثوري من «قائمة الإرهاب» الأميركية، وهو ما يمثّل أهمّ خلاف يعترض طريق إحياء الاتفاق النووي. وفي حالة لم تتوصّل طهران و«الطاقة الذرّية» إلى اتّفاق في غضون أيام قليلة، فالأرجح أن تُطرح المسوّدة خلال اجتماع الحكّام. وفي هذه الحالة، ثمّة احتمالان: إمّا أن يتمّ التصديق على القرار بالإجماع، أو أن يُجرى تصويت عليه، علماً أن القرائن تُشير إلى دعم أغلبية الأعضاء له.
ويجلّي احتمال استصدار قرار من هذا النوع ضدّ إيران، بحدّ ذاته، الظروف المعقّدة التي تحيط بمحادثات فيينا، فيما يبدو أكيداً أن التصديق عليه سيؤدي إلى رفع وتيرة التصعيد بين إيران والدول الغربية. وفي هذا الإطار، توعّد المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، بأن أيّ إجراء «غير بنّاء» من جانب مجلس محافظي الوكالة، سيُواجه بـ«ردّ حازم ومتكافئ». واعتبر أنّ تداعيات هكذا إجراء ستطال أولئك الذين قالوا «إنهم ينظرون إلى مجلس المحافظين وتقرير المدير العام كأداة للضغط على إيران». وفي الاتّجاه نفسه، قال وزیر الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، «(إننا) توصّلنا من خلال عملية إيجابية خلال زيارة غروسي الأخيرة لطهران، إلى توافقات يرضى بها الطرفان، لكنّنا نعتبر التدخّلات السياسية في الشؤون الفنّية للوكالة الدولية للطاقة الذرّية غير بنّاءة». ويوم أمس، كرّر عبد اللهيان وصْفه مسودة القرار المنويّ طرحه أمام الوكالة بأنها «إجراء متسرّع وغير بنّاء ومخالف للدبلوماسية»، محذّراً من أنها «ستجعل المفاوضات معقّدة وأكثر صعوبة»، وملوّحاً بمواجهتها بـ«ردّ ملائم ومؤثّر وعاجل». كما دان زيارة غروسي إلى إسرائيل أمس، عادّاً إياها «متعارضة مع حيادية المنظّمة ومهمّتها التقنية».
وفي انتظار ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة، يبقى ثمّة خيار يمكن أن تستمرّ معه المفاوضات على قيد الحياة، وفي الوقت نفسه يُتيح تسليط ضغط إضافي على طهران، وهو أن يتمّ استصدار بيان ضدّ إيران بدلاً من قرار، يتحاشى المزيد من التصعيد والتوتير، ويكون الهدف منه تحريك محادثات إحياء الاتفاق النووي مجدداً.