تحدّث الإعلام العبري، أخيراً، عمّا سمّاه «انقلاباً دراماتيكياً» في العلاقات الإسرائيلية - الأوروبية، بعد أن أوشكت المفاوضات الأوّلية على النجاح في إبرام اتّفاق «نوعي»، تزوّد إسرائيل بموجبه القارّة العجوز بالغاز، في إطار مساعي «تحرير» الأخيرة من الاعتماد على الغاز الروسي. ووفقاً للإعلام العبري (صحيفة إسرائيل اليوم)، فمن المرجّح أن تبدأ عملية نقل الغاز الإسرائيلي عبر مصر في وقت مبكر من الشتاء المقبل، بعدما تبادل الجانبان، تل أبيب وبروكسل، مسوّدات الاتفاق، على أن توقّعا في الصيف على اتفاقية الإطار، ومن ثمّ يبدأ مسار التفاوض بين شركات الغاز في إسرائيل ونظيراتها في الاتحاد الأوروبي. وإذا كان المراد من المبالغة في تسويق هذا الخبر تصوير إسرائيل بوصْفها حبل نجاة أوروبا من الصقيع القادم، إلّا أنه ينطوي على قدْر من المبالغات غير الخافية، خصوصاً إذا ما أُخذت في الاعتبار جملة من الإشكاليات العالقة على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا.في الأرقام، فإنه في حال نجحت المفاوضات التي يشترك فيها الجانب المصري، فالمقدَّر أن الكمّية التي ستصل من إسرائيل إلى أوروبا عبر مصر، هي ما بين مليار متر مكعّب ومليارين، على أن تتضاعف لتصبح ما بين مليارين وأربعة خلال السنوات المقبلة. في المقابل، تورّد روسيا زهاء 40% من الغاز الذي تستهلكه أوروبا، وهي صدّرت في عام 2020 إلى الدول الأوروبية 158.5 مليار متر مكعّب، منها 45.84 مليار متر مكعّب لألمانيا وحدها، و20.80 ملياراً لإيطاليا، و13.22 ملياراً للنمسا، و11.81 ملياراً لهولندا. وبين ما يقرب من 160 مليار متر مكعّب من روسيا، ومليار متر مكعّب من إسرائيل، فروق هائلة تُعاكس الأمنيات الإسرائيلية.
يُضاف إلى ما تَقدّم أن الكيان العبري لا يملك بنية تحتية لنقل ما ينتجه من غاز يفيض عن حاجته الخاصة، إلى القارّة الأوروبية، باستثناء إمكانية نقل كمّية محدودة عبر أنبوب يصل عسقلان بالعريش، ومن ثمّ العريش ببورسعيد، فمحطّات تسييل الغاز في دمياط بين بورسعيد والإسكندرية على ساحل المتوسّط. لكن حتى هذا الأنبوب يحوم حوله الكثير من اللغط؛ إذ إن إسرائيل عانت ولا تزال من تخلّف بنيتها التحتية في البرّ الفلسطيني المحتلّ، وتحديداً لناحية صغر قُطر الأنابيب التي تنقل عبرها الغاز من الآبار إلى البرّ، ومن ثم من البرّ نفسه وصولاً إلى عسقلان، قبل أن يُضخّ إلى العريش.
كذلك، يتعذّر على إسرائيل أن تستخدم المنشآت المصرية لتسييل غازها الطبيعي قبل أن يُصدَّر إلى أوروبا؛ إذ وفقاً لوزير النفط المصري، طارق الملا، فإن مصانع إسالة الغاز الطبيعي المصرية تعمل بكامل طاقتها حالياً، وإن كانت الخطط موضوعة لزيادة الصادرات نتيجة ارتفاع أسعار الغاز عالمياً (رويترز 5/12/2021). وتبلغ كمّية الغاز الإسرائيلي المُصدَّر إلى مصر، حالياً، 2.1 مليار متر مكعّب سنوياً، يُفترض أن ترتفع إلى 6.7 مليارات بدءاً من عام 2023، ما يعني أن زيادة الضخّ محتومة أساساً وفقاً لاتفاقية عام 2018، والتي تنصّ على تحوّل الغاز الإسرائيلي إلى غاز مصري بمجرّد وصوله إلى مصر، في حين أن تسييله قبل تصديره إلى أوروبا، مرتبط بتمكّن القاهرة من رفع قدرة التسييل في منشآت دمياط وإدكو.
والجدير ذكره أن مصر التي عانت طويلاً من عجز في قطاع الغاز دفعها إلى استيراده، باتت الآن في المركز الـ14 عالمياً والخامس إقليمياً والثاني أفريقياً في إنتاج الغاز عام 2020، بحجم إنتاج سنوي بلغ 58.5 مليار متر مكعّب، و66 ملياراً عام 2021، وهي تُواصل استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل بموجب اتفاقية 2018، التي قُدّرت قيمتها بـ15 مليار دولار، رُفعت لاحقاً إلى 19.5 ملياراً، لأسباب ودوافع سياسية - اقتصادية، وفقاً لخطّة القاهرة تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز، وهو ما لا يَجدر تجاهله لدى تناول هذه المسألة.