موسكو | تمكّنت القوات الروسية من بسْط سيطرتها الكاملة على مجمع "آزوفستال" في مدينة ماريوبول الساحلية، حيث تحصّن مَن تبقّى من المقاتلين الأوكرانيين وعناصر كتبية "آزوف" القومية المتطرّفة. والمجمع الذي أحجم الجيش الروسي عن اقتحامه نزولاً عند أمرٍ من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي طالب بإحكام الطوق حوله حتى لا تتمكّن "حتى الذبابة من المرور"، بات في حُكم الساقط عسكرياً مع استسلام مقاتلي "آزوف" وعددهم 2439 عنصراً، بينهم قائد الكتيبة، دينيس بروكوبينكو. صُوِّر مجمع "آزوفستال" على أنه سيكون "مقبرةً" للقوات الروسية لكون تحصيناته الكثيرة تمنح المدافعين أفضلية على القوات المهاجمة. وإذ قدّمت كييف ومعها وسائل الإعلام الغربية روايةً مفادها بأن موسكو ستفشل في إجبار المسلحين المحاصَرين على الاستسلام، كما ستفشل في اقتحام المجمع لما لهذه الخطوة من كلفة عالية على مستوى الأرواح، تجنّبت القيادة الروسية، منذ البداية، فكرة الاقتحام، على رغم أن قوات "جمهورية دونيتسك" بدأت حصارها المجمع منذ الـ19 من نيسان الماضي. وتشكِّل الخسارة التي تلقّتها كتيبة "آزوف" ضربةً معنوية كبيرة للقوات القومية في أوكرانيا التي اتّخذت، منذ عام 2014، من مدينة ماريوبول قاعدةً لها ومنطلقاً للهجمات على إقليم دونباس الشرقي. وبسقوط ماريوبول، تكون هذه القوات قد خسرت أهم معاقلها في الجنوب الشرقي لأوكرانيا، ما سيرتدّ سلباً على معنويات مقاتلي الكتيبة في الشرق.
أمّا روسيا، فإلى نجاحها بإنهاء السيطرة على ماريوبول للتفرّغ لمعركة "استعادة دونباس"، فأصبحت تتحكّم بطريق برّية تربط شبه جزيرة القرم بالبرّ الرئيس لروسيا ومناطق شرق أوكرانيا التي يسيطر عليها الموالون لها. وبهذا، أصبحت موسكو تمتلك ورقة أخرى مهمّة: الأسرى الأوكرانيون في مقابل أسرى الجيش الروسي، وزعيم حزب المعارضة الأوكرانية، فيكتور ميدفيدشوك، وفق ما أعلن عضو الوفد الروسي المفاوض، ليونيد سلوتسكي. كذلك، أصبح بيد موسكو دليل آخر ملموس على الدعم الغربي لكييف، بعد كشْفها عن المقاتلين الأجانب في صفوف كتيبة "آزوف".
أصبحت موسكو تشرف على طريق برّية تربط القرم بالبر الرئيس لروسيا ومناطق شرق أوكرانيا


ويرى الخبير العسكري، فيكتور ليتوفكين، أن استسلام كتية "آزوف" في ماريوبول، سيشكّل "بداية انهيار النازية الأوكرانية"، إذ "سيبدأ القوميون الأوكرانيون في إلقاء أسلحتهم". ويلفت إلى أن الآثار السريعة لانهيار الكتيبة ستظهر في دونباس، متوقعاً أن "نشهد استسلام بعض من القوات الموجودة في الإقليم قريباً، لتصل بذلك عملية تحرير أراضي جمهوريّتَي دونيتسك ولوغانسك إلى نهايتها المنطقية". ومع انتهاء المعارك في ماريوبول، سيكون أمام موسكو فرصة لنقل بعض من تشكيلاتها العسكرية الموجودة في المدينة إلى جبهة دونيتسك لزيادة الضغط على القوات الأوكرانية الموجودة هناك. وفي هذا الإطار، يوضح الخبير العسكري، فلاديسلاف شوريجين، أن "جبهة القوات الأوكرانية في دونباس مثقوبة"، لافتاً إلى أن القوات الروسية نجحت في تشتيت شمل القوات الأوكرانية إلى مجموعات منفصلة، وأصبحت قاب قوسين من إنهاء عملية تطويقها. ويبيّن أن هناك ما بين 15 إلى 18 ألف جندي أوكراني موجودين داخل الطوق الروسي.
ووفقاً لمراقبين روس، فَقَدَ الجيش الأوكراني القدرة على المشاركة في أيّ عملية قتالية نشطة، بعدما أصبح في موقع دفاعي بفعل تلقّيه خسائر فادحة خارج المدن الكبرى. كما أن الجنود المدرّبين والمسلّحين، وفقاً لمعايير حلف "الناتو"، أصبحوا منهَكين، وفقدوا نصف عديدهم، وإن كان يُعمل الآن على تجنيد أشخاص غير مدربين. من هنا، يرى هؤلاء أن اتجاه المعارك الدائرة حالياً، لا يمضي لصالح القوات الأوكرانية. هذا الرأي عزّزه إقرار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، بأن الوضع في إقليم دونباس بالغ الصعوبة، وبأن المرحلة الحالية من الحرب "ستكون دموية". وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تقدُّم قواتها في إقليم دونباس، مشيرةً إلى تدمير شحنة كبيرة من الأسلحة والمعدّات العسكرية الغربية، قرب محطّة مالين للسكك الحديدية، في منطقة زيتومير شرق دونباس.