موسكو | اشتغلت، مجدّداً، الاتصالات السياسية على خطّ الأزمة الروسية - الأوكرانية، مع وصول المفاوضات بين الجانبين إلى حالة انسداد سببها اشتراطات كلّ من موسكو وكييف، توازياً مع اشتعال جبهات الميدان، وتحديداً جبهة دونباس. وحضر تعثّر المحادثات في اتصال الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، وهو ما تطرّق إليه أيضاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مباحثاته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إذ جدّد الأوّل رفض بلاده إجراء مفاوضات مع كييف في مدينة ماريوبول، مؤكداً أنه من السابق لأوانه الحديث عن دخول وسطاء على مسار المحادثات بين البلدين. وأبدى لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع غوتيريش، استعداد موسكو لمواصلة العملية التفاوضية، في ما لو توافرت مقترحات جديرة بالاهتمام، مشيراً إلى أن بلاده تنتظر ردّ كييف غير المهتمّة بالمفاوضات، بحسبه، على وثيقة مسودة الاتفاق المقترح من جانبها. وبرز موقف لافروف حول مستقبل العلاقات الدولية القائمة على أساس ميثاق الأمم المتحدة، إذ اعتبر أن "العالم يمرّ الآن بلحظة الحقيقة التي ستحدّد ما إذا كانت البشرية ستعيش على أساس ميثاق الأمم المتحدة، أو ستستسلم لإملاءات أحد الأطراف". وجاء هذا التصريح بعد ساعات على تحذير الوزير الروسي من أن خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة "جدّي وحقيقي، وينبغي عدم الاستهانة به"، مؤكداً أن بلاده تعمل على إبعاد خطر نشوب صراعات نووية.في هذا الوقت، بدأت موسكو تنفيذ تهديداتها المتكرّرة في شأن حقّها في استهداف الأسلحة الغربية التي تتسلّمها كييف. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تدمير محطّات سكك حديدية فرعية في أوكرانيا كان يجري عبرها تزويد القوات الأوكرانية في دونباس بالأسلحة والمعدات العسكرية الأجنبية. كما استهدف الجيش الروسي محطّات كهربائية مخصّصة لتزويد سكك الحديد بالكهرباء بهدف تعطيلها. من جهتها، قالت هيئة الأركان الأوكرانية إن روسيا تحاول استهداف الطرق التي تسلكها المساعدات العسكرية القادمة من الحلفاء. وأعلن مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية، بدورهم، أن روسيا بدأت مهاجمة منشآت السكك الحديدية وخطوط شحن الأسلحة في وسط أوكرانيا وغربها، مع بدء هجومها الجديد على دونباس الأسبوع الماضي. ونقل موقع "بوليتيكو" عن المسؤولين قولهم إن الهجمات الروسية على خطوط الإمداد بدأت مع وصول أنظمة المدفعية الثقيلة والدبابات والعربات المدرّعة إلى القوات الأوكرانية.
كثّف الجيش الروسي استهداف قوافل الأسلحة الغربية إلى كييف


وتُنتظر في الأيام القليلة المقبلة تطورات ميدانية مهمّة، في ظلّ تقدُّم واسع من الشمال والجنوب، ليأتي من بعدها دور جبهة الشرق في اتجاه وسط أوكرانيا. ووفقاً لخبراء روس، فإن هناك ضرورة لـ"استهداف مناطق غرب أوكرانيا بالقرب من الحدود مع بولندا والمجر وسلوفاكيا، لمنع وصول الأسلحة الغربية التي تتدفّق بكثرة إلى كييف عبر هذه البلدان". ويلفت هؤلاء إلى أن السيناريو المحتمل لضرب قوافل الأسلحة الغربية سيجري عبر اتجاهَين رئيسَين: الأوّل استهداف الطرق والجسور وتقاطعات السكك الحديدية التي يجري عبرها نقل الأسلحة والذخيرة من بولندا، والثاني ضرْب خطوط إمداد القوات الأوكرانية من وسط أوكرانيا في اتجاه جبهة دونباس. ويشدّدون على ضرورة استمرار توجيه الضربات للبنية التحتية للسكك الحديدية الأوكرانية وخطوط الإمداد السريعة، بما يسهم في تقليص مدّة المعركة وصولاً إلى تحقيق هدف المرحلة الثانية للعملية العسكرية الروسية، أي السيطرة على كامل إقليم دونباس وفق الحدود التي كان عليها قبل عام 2014، وتأمين الحدود الغربية. ويوضح الخبراء أنه، وبعد استهداف محطات الكهرباء التي تزوّد محطات سكك الحديد بالكهرباء، إضافة إلى استهداف السكك، ومع استمرار الضغط بهذا الشكل لمدّة أسبوع أو عشرة أيام تقريباً، سيصبح من الصعب على كييف إمداد جبهات الشرق والجنوب والشمال الشرقي بالذخائر والمعدات الحربية والوقود المشغّل للآليات والدعم اللوجستي، ما يضع القوات المتمركزة على تلك الجبهات في موقف صعب عسكرياً.
في غضون ذلك، تحضّر القوات الروسية في منطقة خيرسون (جنوب) لإطلاق عملية ضدّ القوات الأوكرانية التي تحاول منع أو إعاقة تقدُّم الروس في اتجاه ميكولاييف، ومن خلفها مدينة أوديسا التي تشير معلومات الخبراء إلى حتمية بدء القوات الروسية عملية للسيطرة عليها وفتح ممرّ آمن في اتجاه "جمهورية ترانسنيستريا" المعلَنة من جانب واحد. وتحوز هذه "الجمهورية" أهمية استراتيجية بالنسبة للجانب الأوكراني؛ فعلى بعد كيلومترين من حدودها مع أوكرانيا، يوجد أكبر مستودع للذخائر في أوروبا في قرية كولباسنا، تحرسه قوّة تدخل روسية مشتركة مع قوات ترانسنيستريا المحلية، وتكفي كميات الذخائر التي يحتويها، والمخزنة من أيام الاتحاد السوفياتي، لعقود من الحرب، بحسب بعض الخبراء المطلعين. وبعد فقدان سلطات كييف مخازن الذخائر والأسلحة في محيط ضواحي مدينة خاركوف، تعتبر مخازن كولباسنا "الأمل المنقذ" لها على امتداد جبهات الجنوب.