لندن | سيكون أمام فريق الدفاع عن جوليان أسانج (50 عاماً)، حتى 18 أيار المقبل، لتقديم اعتراضاته أمام مكتب وزيرة الداخلية على قرار القضاء البريطاني السماح بتسليم مؤسّس "ويكيليكس" إلى الولايات المتحدة. ويمكن، بعد اتّخاذ الوزيرة قرارها السيادي، تقديم استئناف أخير ضدّه لدى المحكمة العليا الملكية، شريطة التطرّق إلى نقاط قانونيّة لم يَنظر فيها القضاء من قَبل. وتتولّى حقيبة الداخلية، بريتي باتيل، من حزب المحافظين اليميني، وتُعتبر هذه الأخيرة مقرّبة من رئيس الوزراء بوريس جونسون، وهو ما يقلِّل من فرص أسانج في أيّ تقييم متوازن لقضيّته.وحضر أسانج جلسة محكمة ويستمنستر الابتدائية، أوّل من أمس، عبر نظام الفيديو كونفرنس من سجنه المشدَّد الحراسة في بلمارش في لندن، حيث لا يزال معتقلاً منذ أكثر من ثلاث سنوات، من دون توجيه اتهامات له. وكانت المحكمة قد انتهت إلى الموافقة على طلب التسليم المقدَّم من جانب ممثّلي الولايات المتحدة، ونقل صلاحية التنفيذ من عدمه إلى طاولة السياسة، إذ أصدر كبير القضاة، بول غولدسبرينغ، أمراً علنياً بتسليم جوليان أسانج إلى الأميركيين خلال جلسة الاستماع التي استغرقت سبع دقائق، مخاطباً مؤسّس "ويكيليكس"، بالقول: "أنا مُلزَم بإرسال قضيّتك الآن إلى وزيرة الداخلية لاتّخاذ قرار في شأن ما إذا كان سيتعيّن تسليمك إلى الولايات المتحدة... لديك الحقّ في الاستئناف أمام المحكمة العليا، وإذا مارست حقّك في الاستئناف، فلن يتمّ النظر فيه حتى تأخذ الوزيرة قرارها". واقتصر حديث جوليان أسانج على تأكيد اسمه وتاريخ ميلاده والاعتراف بأنه يفهم ما يحدث.
يتعارض قرار تسليم أسانج بوضوح مع معاهدة تسليم المجرمين الموقَّعة بين أميركا وبريطانيا


وفي حال تسليمه، سيمثل أسانج (المواطن الأسترالي والمتزوّج من سيدة بريطانية) من دون ضمانات قانونية أمام هيئة محلّفين اتحادية كبرى بـ18 تهمة، من بينها 17 وُجِّهت إليه بموجب "قانون التجسس" الأميركي، يصل مجموع عقوباتها إلى السجن 175 عاماً. وتستند الملاحقة القضائية الأميركية، التي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب واستمرت في ظلّ إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، إلى نشر موقع "ويكيليكس" وثائق رسمية سرية مسرّبة كشفت عن جرائم حربَي الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، إلى جانب انتهاكات عديدة في مجالَي القانون الدولي وحقوق الإنسان. وتقول الحكومة الأميركية إن أسانج تآمر مع تشيلسي مانينغ للوصول إلى الوثائق المسربة، وهو ادعاء يؤكد فريق الدفاع عن أسانج أنّه تم تقديمه من دون أيّ دليل، إذ يستند جزئياً إلى شهادات مزوّرة وتطفّل غير قانوني على خصوصيّات أسانج أثناء احتجازه لعدّة سنوات في مقرّ سفارة الإكوادور في لندن، حيث لجأ، منذ أكثر من عقد، خشيةَ اعتقاله وتسليمه إلى الولايات المتحدة، وحصل، في حينه، على حماية الحكومة الإكوادورية وجنسيتها، لكن تغيُّر السلطة في ذلك البلد، دفعها إلى طرده من المقرّ الدبلوماسي عام 2019، لتعتقله على الإثر السلطات البريطانية.
وقد تجمَّع بضع عشرات من المتعاطفين مع أسانج خارج مقرّ محكمة ويستمنستر، للاحتجاج على استمرار اعتقاله غير القانوني، والاضطهاد الذي يتعرّض له، وموافقة القضاء البريطاني على تسليمه إلى الولايات المتحدة. وقال زعيم المعارضة البريطانية السابق، اليساري جيريمي كوربِن، أمام الحشد، إن الوزيرة باتيل "ينبغي لها أن تتّخذ خياراً الآن بين الدفاع عن حرية الصحافة والديموقراطية، أو الحكم على رجل بالسجن مدى الحياة لكشْفه الحقيقة حول الحرب على الإرهاب"، مضيفاً: "إذا تمّ تسليم (جوليان أسانج) إلى الولايات المتحدة، فسيتعيّن على جميع الصحافيين في جميع أنحاء العالم أن يخشوا على أنفسهم إذا نشروا شيئاً تعتبره أميركا سرّياً، إذ إنهم سيواجهون عندئذ خطر تسليمهم". من جهتها، اعتبرت ستيلا أسانج، زوجة جوليان، أن "المملكة المتحدة ليست مُلزَمة بتسليم جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة، في الواقع مطلوب منها بموجب التزاماتها الدولية وقْف هذا التسليم". ويتعارض قرار التسليم بوضوح مع معاهدة تسليم المجرمين الثنائية الموقَّعة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتي تمنع صراحةً تسليم متّهمين بجرائم سياسية. لكن النخبة البريطانية بقضائها وسياستها، لن تخاطر بإغضاب الأميركيين الذين يريدون جعل أسانج عبرة لكل من يعارض هيمنة الإمبراطورية أو يكشف عن جرائمها. لهذا، فإن حظوظ الرجل بالنجاة، أصبحت في حكم المعدومة.