إذا صحّت اتّهامات عمران خان لواشنطن، تكون هذه الأخيرة قد نجحت في عزله عن منصبه رئيساً للحكومة الباكستانية، بعد محاولة سابقة كانت قد باءت بالفشل. خان، الذي اعتقد أنّه نجا من هذا المصير، قبل ستة أيام، عبر حلّ البرلمان، عالجته المحكمة العليا بالضربة القاضية، بعدما قضت بأنّ كلّ هذه العملية غير دستورية.وأعادت عمل الجمعية الوطنية، كما أمرت بأن تمضي بتصويت على مذكّرة حجب الثقة التي خسرها خان، بعدما تخلّى عنه قبل عدة أيام حلفاؤه.
وردّاً على هذا الإجراء، أكّد خان أنّ بلاده «تتعرّض لمؤامرةٍ أجنبيةٍ تهدف إلى تغيير النظام». وقال، على حسابه على موقع «تويتر»، إنَّ «باكستان أصبحت دولةً مستقلّةً عام 1947، لكنَّ النضال من أجل الحرية يبدأ اليوم من جديدٍ ضدَّ مؤامرةٍ أجنبيةٍ لتغيير النظام».
يبقى أنّ خان ليس الأول الذي أُجبر على ترك منصبه، فمصيره مشابه لمصير أسلافه، إذ لم يُكمل أيّ رئيس وزراء ولايته في باكستان. بالتالي، لم يشكّل هذا النجم الرياضي السابق، البالغ من العمر 69 سنة، استثناء.
على الرغم من ذلك، لا يزال عمران خان يحظى بشعبية لدى شرائح واسعة من الشعب الباكستاني، لكنّه لم يقل كلمته الأخيرة بالنسبة للانتخابات المقبلة. إلّا أن أداءه وميله، في الأيام الأخيرة، لزيادة الانقسامات في المجتمع الباكستاني، عبر شنّ هجمات عنيفة على المعارضة المتهمة بـ»الخيانة»، يمكن أن يلعب ضدّه.
وكان خان قد وصل إلى السلطة، عام 2018، بعد فوز حزبه «حركة إنصاف» في الانتخابات التشريعية، بشعارات شعبوية تجمع بين وعود الإصلاح الاجتماعي والمحافظة الدينية ومكافحة الفساد. وبعد عشرين عاماً على دخوله السياسة، أثمرت مثابرة الرجل الذي يحبّه ملايين الباكستانيين لقيادته فريق الكريكيت الوطني إلى فوزه الوحيد بلقب كأس العالم، في عام 1992.
وفي رئاسة الحكومة، استفاد الرجل الذي يدعو إلى «باكستان الجديدة»، أولاً من صورته كرافض للفساد ومن سأم المجتمع من الحزبين التقليديين، اللذين احتكرا السلطة لعقود مع الجيش. لكنّه ورث وضعاً مالياً متأزّماً فاقمته خياراته الرديئة والوضع الاقتصادي المتدهور، ما أدّى إلى تراجع شعبيّته، في الأشهر الأخيرة، ودفع حلفاء له في الائتلاف الحاكم للانضمام للمعارضة لمحاولة إطاحته من المنصب. وما أضعفه أكثر، هو ارتفاع التضخّم (10 في المئة عام 2021)، والنمو الاقتصادي الذي ظلّ صفراً، خلال السنوات الثلاث الماضية، والانخفاض الحاد في قيمة الروبية، منذ تموز، وتفاقم الديون.
يبقى الجيش أقوى مؤسّسة في باكستان وقاد البلاد على مدى نصف تاريخه تقريباً


كذلك، تزايدت الصعوبات أمام عمران خان مع تدهور الوضع الأمني، لا سيما منذ تولّي حركة «طالبان» السلطة في أفغانستان المجاورة، في منتصف آب. وقد فُسّرت عودة الحركة الأصولية إلى السلطة، في البداية، على أنّها انتصار لباكستان التي طالما اتُهمت بدعمها، ولرئيس وزرائها الذي أطلِق عليه لقب «طالبان خان»، لأنّه لم يتوقّف عن الدعوة إلى الحوار معها وتقويض الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان.
ولكن بعد سنوات من الهدوء النسبي، استُؤنفت بقوة في آب هجمات حركة «طالبان» باكستان، والفرع الإقليمي لتنظيم «داعش» وجماعات انفصالية بلوشية، رغم تعهّد كابول عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية في هذه الأغراض.
على أنّ خان عانى، أيضاً، من تدهور علاقاته مع الجيش، الذي اتُّهم بالتدخّل لصالحه خلال انتخابات عام 2018، رغم أنّه يبدو من غير المرجّح أنه كان بإمكانه البقاء في السلطة، من دون موافقة ضمنية من الجيش.
في أثناء ذلك، لم تحقّق جهود عمران خان، الرامية إلى تحويل باكستان إلى فاعل إقليمي رئيسي، نجاحاً كبيراً أيضاً. وجاء ذلك بينما تراجعت علاقات إسلام آباد مع واشنطن والدول الأوروبية، وفيما تقاربت باكستان من الصين.
والآن، مع خروجه من المعادلة الحكومية، بات وصول شهباز شريف، القيادي المخضرم والصارم، إلى أبواب رئاسة الحكومة، هو الأكثر ترجيحاً، الأمر الذي سيسمح لهذا الأخير بالخروج من ظلّ شقيقه نواز.
وشهباز شريف، الذي يُتوقع أن تنصّبه الجمعية الوطنية اليوم رئيساً للوزراء، هو الشقيق الأصغر لنواز شريف، الذي تولّى هذا المنصب ثلاث مرات في السابق، قبل إقالته عام 2017 على خلفية قضايا فساد وسجنه، ثمّ إطلاق سراحه بعد سنتين لأسباب طبية، وهو يقيم منذ ذلك الحين في المملكة المتحدة.
ورئيس «الرابطة الإسلامية الباكستانية»، البالغ من العمر سبعين عاماً، هو سياسي مخضرم قاد على مدى سنوات حكومة ولاية البنجاب، الأكثر تعداداً للسكّان في البلاد، والمعقل الانتخابي لحزبه.
وتورّط شريف في قضايا رشاوى وفساد، وهي اتهامات يقول أنصاره إنّها كانت مدفوعة بالكيد السياسي من قبل رئيس الوزراء الذي أُطيح عمران خان.
وفي كانون الأول 2019، صادرت هيئة مكافحة الفساد حوالى عشرين عقاراً يعود لشهباز شريف ونجله حمزة واتهمتهما بتبييض أموال. وأوقف واعتُقل في أيلول 2020، وبعد ستة أشهر أُفرج عنه بكفالة بانتظار محاكمة ما زالت معلّقة.
وسط كلّ ذلك، يبقى الجيش أقوى مؤسّسة في باكستان، وقاد البلاد على مدى نصف تاريخه تقريباً، وهو لا يزال يمسك بالخيوط ولو أنه لم يعد هو في السلطة. وبناء عليه، قال شهباز شريف: «ما زلت مناصراً كبيراً لتنسيق فعّال بين إسلام آباد وروالبيندي»، في إشارة إلى العاصمة الإدارية، والمقرّ العام للجيش المجاور.
وفي حال تعيينه رئيساً للوزراء، سيواجه تحديات اقتصادية وأمنية جسيمة، في ظلّ ركود النمو الاقتصادي وتزايُد هجمات حركة «طالبان» الباكستانية، ومجموعات انفصالية في بلوشستان.