موسكو | فيما كانت الأنظار تتّجه إلى جولة المفاوضات الجديدة بين روسيا وأوكرانيا، في ظل الحديث عن ارتفاع سقف التوقعات منها لدى طرفَي النزاع، أحدثت الصور المنشورة لقتلى مدنيين في الشوارع ومقابر جماعية في مدينة بوتشا شمال غرب العاصمة كييف، إثر انسحاب القوات الروسية منها، صدمةً على مستوى العالم، وفي أوساط الدول الضالعة بالأزمة، إذ سعت إلى استغلال المجزرة المرتكبة خدمةً لما تصبو إلى تحقيقه من أهداف، وعلى رأسها إفشال المفاوضات القائمة، وإطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة.في هذا الوقت، وجّهت أوكرانيا اتهامات إلى روسيا بارتكاب إبادة راح ضحيّتها ما يزيد على 300 شخص، إلّا أن موسكو شكّكت برواية كييف حول ما حصل باعتبارها «كاذبة». وفي مسعى إلى دحضها، طلب رئيس لجنة التحقيقات الروسية، ألكسندر باستريكين، إجراء تحقيق رسمي في ما سمّاه بـ»استفزازات» أوكرانيا. كذلك، شكّك الكرملين على لسان الناطق باسمه، دميتري بيسكوف، بصدقية الرواية الأوكرانية، موضحاً أن «الحقائق وترتيب الوقائع لا يشيران إلى صدقها». وقال إن من الصعب الوثوق بمواد الفيديو التي نشرها الجانب الأوكراني، كاشفاً عن أن «متخصصين في وزارة الدفاع الروسية حدّدوا علامات تزوير وتزييف للفيديوات المنشورة».
هذا المستجد الميداني كان له الصدى الأقوى في السياسة، إذ اتّهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أوكرانيا، بالسعي إلى تقويض روسيا عبر الرواية لما حدث في بلدة بوتشا، لافتاً إلى أن ما تتحدّث عنه كييف «هجوم مزيف»، وأن صور الجثث «مسرحية». وأشار إلى أن الرواية الأوكرانية انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من قِبَل دول غربية وكييف، مشدّداً على أن ما جرى من «فبركة» في بوتشا «استفزاز يمثّل تهديداً للسلم والأمن الدوليَّين». كذلك، دعا الوزير الروسي، بريطانيا، التي تتولّى رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر نيسان، إلى الاضطلاع بمسؤولياتها بعدما رفضت طلباً روسيا لعقْد اجتماع في شأن المجزرة المزعومة. من جهتها، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، إن صور القتلى المدنيين في بلدة بوتشا أتت «بأوامر» من الولايات المتحدة في إطار ما سمّتها بـ»المؤامرة» لتوجيه اللوم لموسكو.
تعتزم بروكسل فرْض قيود جديدة على روسيا تشمل إمدادات الطاقة

ولفتت إلى أن التنديد الغربي الذي اجتذبته الصور المنشورة يوضح أن الرواية جزء من خطة لتشويه سمعة روسيا. وبحسب رواية الدفاع الروسية، فإن القوات الأوكرانية هي مَن قصفت الضواحي الجنوبية لمدينة بوتشا، بما فيها المناطق السكنية، بقذائف مدفعية من أعيرة ثقيلة وقذائف الدبابات وراجمات الصواريخ. وقالت إنه تم إعداد الصور والمقاطع المصورة في مدينة بوتشا لمصلحة وسائل إعلام غربية، تماماً كما حدث مع مستشفى الولادة في ماريوبول.
خشية موسكو من محاولات تقويضها بسبب اتهامها بما حصل في بوتشا، سرعان ما تُرجمت بتصريحات القادة الأوروبيين الذين استغلّوا الرواية الأوكرانية كورقة جديدة ضدّ روسيا. وأيّد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فرْض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على موسكو، قد تشمل النفط والفحم، رداً على ما حصل. إلّا أن تناقضاً برز بين أعضاء الاتحاد، وخصوصاً ألمانيا، فبينما قالت وزيرة دفاعها، كريستين لامبرخت، إن الاتحاد مطالَب ببحث حظر استيراد الغاز الروسي، أكد وزير ماليتها، كريستيان ليندنر، استحالة وقْف إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، موضحاً أن الأخير غير قادر على التخلّي، راهناً، عنها. في غضون ذلك، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد سيشكّل فريق تحقيق مشتركاً مع كييف لجمع الأدلة حول ما وصفه بـ»جرائم الحرب المرتكبة» في أوكرانيا. وتعتزم بروكسل، بحسب صحيفة «فايننشال تايمز»، فرْض قيود جديدة على روسيا تشمل حظر استخدام السفن الروسية للموانئ الأوروبية، وإمدادات الطاقة.