(...) في ما يلي تحليل للأسباب الرئيسة التي دفعت النُّخب الأجنبية المعادية، إلى اتّخاذ قرار بضرورة رحيل رئيس الوزراء عمران خان:1) هو يعارض السياسة الخارجية للولايات المتحدة
لطالما كان يُطلق على عمران خان لقب "المتعصّب" - أي أنّه ينتقد بشدّة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
عارض خان، بشدّة، ما يُسمى بـ"الحرب على الإرهاب" لواشنطن، وخاصّة الحرب في أفغانستان، بحجّة أنّ الحلول العسكرية كانت غير أخلاقية وذات نتائج عكسية. لهذا كان يُشار إليه منذ فترة طويلة، باستخفاف، باسم "طالبان خان" (...).
2) صوت مناهض للاستعمار على المسرح الدولي
تمّت إدانة خطاب عمران خان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول 2019، باعتباره جريئاً للغاية. زعيمٌ باكستاني يتحدث بقوّة عن قضايا الظلم العالمي، جعل النخَب الغربية تشعر أنّه أصبح أكبر من حجمه (...).
أوّلاً، أدان خان الدول الغربية القوية لتمكينها النخبة في جنوب الكرة الأرضية من نهب مجتمعاتها.
ثانياً، سلّط الضوء على الإسلاموفوبيا على أنها ليست شأناً هامشياً، ولكن ظاهرة خطيرة في نظامنا العالمي - وهي ظاهرة يجب على العالم أن يأخذها على محمل الجد (...).
ثالثاً، تحدّث خان بحماس عن النضال الكشميري ضدّ الاحتلال الهندي، بطريقة لم يفعلها سوى عدد قليل من القادة الباكستانيين (أو غيرهم).
3) عمّق صداقة باكستان مع الصين
لعلّ أكثر ما يثير قلق النخب الغربية، هو الطريقة التي عزّز بها عمران خان علاقة باكستان، القائمة منذ عقود، مع الصين.
إسلام أباد وبكين شريكتان رئيسيّتان في مشاريع البنية التحتية، التي تهدف إلى ربط المنطقة. وهما تعملان معاً في الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني (CPEC)، و"مبادرة الحزام والطريق".
4) حسّن علاقات باكستان مع روسيا
يبدو أنّ الانفراج الأخير في العلاقة بين باكستان وروسيا، كان القشّة التي قصمت ظهر البعير (بالنسبة إلى الولايات المتحدة). لم يكن لإسلام أباد علاقة وثيقة مع موسكو. على العكس من ذلك، كانت باكستان والاتحاد السوفياتي خصمين، خلال الحرب الباردة الأولى، واحتفظا بمستوى من البعد. كانت موسكو تُعتبر دائماً حليفاً قوياً لنيودلهي.
لكن على هامش أولمبياد بكين، وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة إلى خان. بعدما رأى فرصة على الأقل لتحييد قوة إقليمية كانت تاريخياً عدو إسلام أباد، وافق على الزيارة.
ولكن، بمجرد وصول خان إلى موسكو، شنّ بوتين هجومه العسكري على أوكرانيا. لقد انتقدت العواصم الغربية خان لعدم إدانته روسيا، في ذلك الوقت، واستمر ذلك عندما عاد إلى بلاده.
تلقّى خان رسالة شديدة اللهجة من السفراء الأوروبيين تطالبه بالتنديد بموسكو. فجاء ردّ رئيس الوزراء: "لسنا عبيدكم". وانتشر هذا الرد، ليس فقط في باكستان، بل في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي وجنوب الكرة الأرضية (...).
5) قيادة خان في العالم الإسلامي
إنّ قرار استضافة الدورة 48 لـ"منظمة المؤتمر الإسلامي" في إسلام أباد، في شهر آذار، بلوَر دور عمران خان كواحد من أشهر القادة السياسيين المسلمين اليوم.
بدا أنّ خان كان يحاول تقليد أداء ومكانة رئيس وزراء باكستان في السبعينيات، ذو الفقار علي بوتو، الذي استضاف بالمثل اجتماع "منظمة المؤتمر الإسلامي" في لاهور، بضجّة كبيرة.
مهما كانت مشاعر المرء تجاه الإسلام والسياسة، فلا شك في أنّ القوى الخارجية تكره هؤلاء الفاعلين المسلمين الذين لا تستطيع السيطرة عليهم.
واصلت واشنطن العمل بشكل وثيق مع القوى الحصرية الوحشية، مثل "القاعدة" في سوريا وآل سعود. كما أنشأت طبقة من المسلمين "المعتدلين" منذ 11 أيلول، قدّموا بأمانة إسلاماً صديقاً للإمبراطورية. هناك عامل واحد يوحّد كل هؤلاء: خضوعهم لواشنطن. ولسوء الحظ، لا يدخل خان ضمن هذه الفئات الإمبريالية (...).
6) التحدّي الباكستاني التدريجي للهيمنة التي تقودها السعودية في العالم الإسلامي
أظهر عمران خان ميلاً تدريجياً نحو البلدان التي تمثّل، بشكل عام، ثقلاً موازناً للهيمنة التي تقودها السعودية في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
شكّلت قمة كوالالمبور، في عام 2019، التي دعا إليها رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، علامة فارقة في هذا المشروع. وشاركت دول مثل تركيا وإيران وقطر فيها. كان الجميع يعلم أنّ هذه كانت محاولة مهمّة لتحدّي الهيمنة والتأثير السعوديين التقليديين.
دعا مهاتير، المولع بخان، باكستان، وأدرك المشاركون مدى أهمية وجود رئيس الوزراء الباكستاني. لكن في اللحظة الأخيرة انسحبت إسلام أباد.
قبل أيام من قمة كوالالمبور، تمّ استدعاء خان إلى الرياض، حيث جرى تحذيره بعبارات لا لبس فيها: يجب عليك عدم الذهاب إلى ماليزيا، وإذا فعلت ذلك، فإنّ آل سعود سيبدأون في ترحيل العمّال الباكستانيين، ويوقفون كلّ النفط، والإعانات والإمدادات، ويلغون جميع القروض، وما إلى ذلك.
تعرّض خان للإذلال، لكنّه اضطرّ إلى الامتثال. ولم يذهب إلى كوالالمبور.
7) لا يمكن ببساطة أن يسيطر الجيش على خان
جاء عمران خان إلى السلطة بمباركة الجيش الباكستاني. كان الفهم المنطقي، هو أنه والجيش تربطهما علاقة حميمة وهما على الموجة ذاتها، لدرجة أنّ خان كان يصوَّر، لبعض الوقت، على أنّه دمية في يد المؤسّسة العسكرية. لقد تبيّن أنّ هذا غير صحيح.
لطالما كان الجيش يسيطر على الأمن القومي والسياسة الخارجية لباكستان؛ إلى الحدّ الذي ينظر فيه كلّ من خان والجنرالات إلى الأمور بطريقة متشابهة، كان كلّ شيء على ما يرام.
ومع ذلك، تبيّن أنّ خان لم يكن سهلاً. لقد أكد بشدّة على حقّه في أن يكون جزءاً من أيّ قضية أمنية وطنية حاسمة، وهو حق تخلّت عنه غالبية الحكومات المدنيّة السابقة بسهولة.
بالنسبة إلى واشنطن، هذه مشكلة كبيرة. إنّ استدعاء الجيوش "لوضع الأمور في نصابها"، عندما يصبح قادة الجنوب غير مطيعين، كان إجراءً معيارياً للعمليات الأميركية.
8) دعم خان القاطع لتحرير فلسطين
إنّ أحد أهم الأسباب التي تجعل القوى الإمبريالية تطالب بإسقاط عمران خان، يتمثّل في ما هو واضح: دعمه الثابت والمطلق للنضال الفلسطيني.
أصبح موقفه معروفاً جدّاً و"مثيراً للجدل"، عندما أقيمت حملة الضغط والتهديدات المكثّفة على إسلام أباد، في عامَي 2020 و2021.
بعدما قامت عدّة دول خليجية بتطبيع العلاقات مع نظام الفصل العنصري في إسرائيل، كان ما تبع ذلك هو ليّ ذراعٍ مؤلم لدول إسلامية أخرى، كي تحذو حذوها. بالنسبة إلى تلّ أبيب والرياض وأبو ظبي، وبالطبع واشنطن، كانت إسلام أباد هي الجائزة الحقيقية.
لأشهر، عانى الباكستانيون من هجمة حرب المعلومات الموجّهة لجعل الجمهور أكثر قبولاً لفكرة الاعتراف بدولة الفصل العنصري الإسرائيلية.
وبسرعة كبيرة، أصبح من الواضح أن ليس فقط الأحزاب السياسية الوطنية الكبرى، ولكنّ أيضاً أقساماً مهمّة من القيادة العسكرية العليا، أبدت جميعها استعداداً للنظر في فكرة التطبيع.
كان الدافع وراء النخبة الحاكمة في باكستان واضحاً: فقد اعتقدت أنّ مثل هذه الخطوة ستجعلها تنعم بسمعة جيّدة لدى واشنطن، وتملأ خزائنها الخاصّة بالمال. لكنّ رئيس الوزراء عمران خان لم يستسلم.

(عن موقع Multipolarista - جنيد أحمد)