منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قبل ثلاثة أسابيع، اصطفّت كوريا الشمالية إلى جانب الدول الداعمة لروسيا، بشكل علني. دعمٌ اتّخذ أشكالاً عدّة، بدءاً بتصويت بيونغ يانغ ضدّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر أوائل الشهر الجاري، والذي يُدين العملية الروسية ويطالب موسكو بوقفها، وصولاً إلى تحميل الولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عن الأزمة الأوكرانية، وفق بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية الكورية الشمالية. لكن التطوّر الذي أحدث الصدى الأكبر، بعد إطلاق بيونغ يانغ صاروخاً باليستياً عابراً للقارّات، كان ما نقلته وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين كوريين شماليين من أن السلطات «أصدرت أوامر بالاستعداد للتعبئة وللحرب»، لتبدأ مذّاك التحليلات والتكّهنات حول إمكانية انخراط هذه الدولة، عسكرياً، في المواجهة إلى جانب حليفتها. لكن عدداً من الخبراء استبعدوا «دخول كوريا الشمالية على خطّ المواجهة الروسية - الأوكرانية، لأن روسيا في الوقت الحالي لا تريد ذلك». ومع هذا، توقّع الخبراء، وفق تقريرٍ نشره موقع «vox» الأميركي، أن «يدفع الغزو الروسي لأوكرانيا، كوريا الشمالية، إلى اتّخاذ موقف أكثر جرأة في طريقها نحو تحقيق هدفها على الأمد البعيد، والمتمثّل في كسر تحالف كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة». ونقل الموقع عن الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركي، جيمس ثورمان، قائد القوات الأميركية في كوريا (USFK) من 2011 إلى 2013، قوله إنّ الزعيم الكوري الشمالي «سينتهز الأزمة الأوكرانية الروسية لاختبار تحالف واشنطن وسيول».
التقى ديبلوماسيون كوريون شماليون نظراءهم الروس قبل انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا

ولفت الموقع إلى التوقيت التي اختارته بيونغ يانغ لاستئناف تجاربها الصاروخية والإعلان عن الجهوزية التامّة للحرب؛ إذ أتى في فترة حسّاسة بالنسبة إلى كوريا الجنوبية التي كانت غارقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في التاسع من آذار الجاري، وفاز فيها يون سوك يول (61 عاماً) من «حزب سلطة الشعب» المحافظ. ومن المعروف عن يون انتقاداته الدائمة لنهج سلفه مون جاي تجاه الأزمة الكورية، حيث يصفه بـ«الذليل الذي تسبّبت سياساته بفشل واضح». ويبدو أن الرئيس الجديد سيتبنّى استراتيجية مختلفة تماماً عن تلك التي انتهجها سابقه تجاه الجارة الشمالية، بعدما ذهب إلى حدّ التهديد بشنّ ضربة استباقية. وكان يون رجّح، الأسبوع الماضي، أن يستغلّ زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الحرب في أوكرانيا لإجراء المزيد من تجارب الصواريخ بعيدة المدى، فيما اعتبر المتحدث باسمه أن «الوضع الأوكراني يؤكد أهمية التحالفات»، مُعلِناً أن «الحكومة الجديدة ستقوّي التحالف بينها وبين الولايات المتحدة وترفعه إلى مستوى استراتيجي شامل قائم على الاتصال والتعاون الوثيقَين». ويعوّل الفريق الجديد، في تصعيده ضدّ كوريا الشمالية، على أن الولايات المتحدة ستهبّ، متى ما لزم الأمر، للدفاع عن كوريا الجنوبية بموجب «معاهدة الدفاع المشترك» المُوقَّعة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، يَعتبر البعض أن وجود 30 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية كفيل بأن يدفع «كوريا الشمالية إلى أن تعيد حساباتها بشأن اتّخاذ خطوات عدوانية تجاه جارتها». لكن قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، عدم إرسال قوات أميركية للدفاع عن أوكرانيا، يأتي ليضعف ذلك الاطمئنان، وهو العنصر الذي يبدو أن بيونغ يانغ تعمل على استثماره من أجل خلخلة التحالف بين سيول وواشنطن.
ولا يُعتبر الموقف الكوري الشمالي تجاه الأزمة الروسية - الأوكرانية مستغرباً؛ إذ تُعدّ موسكو واحداً من الحلفاء القلائل لبيونغ يانغ، وكانت قد أعاقت الشهر الماضي، بمشاركة الصين، الجهود الأميركية لفرض عقوبات على الجزيرة بعد إطلاق الأخيرة سبعة اختبارات صاروخية متتالية قياسية في شهر واحد. وقبل انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التقى ديبلوماسيون كوريون شماليون مع نظرائهم من روسيا لمناقشة «التعاون الاستراتيجي» و«القضايا ذات الاهتمام المشترك في ما يتعلّق بالوضع الإقليمي والدولي»، وفقاً للبيانات الصحافية الكورية الشمالية.