موسكو | في الشكل، نجحت تركيا في جمع وزيرَي الخارجية الروسي والأوكراني على طاولة واحدة، لأوّل مرّة منذ عام 2019، لكن في المضمون، لم يخرج اجتماع سيرغي لافروف ودميتري كوليبا بأيّ خرق جدّي يُعوَّل عليه في تقريب وجهات النظر بين موسكو وكييف، لإنهاء الأزمة القائمة. أكثر من ساعة ونصف ساعة استغرقها الاجتماع بحضور وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، على «هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي» في تركيا، أظهرت تصريحات الوزيرَين عقبها أن لقاءهما اتّسم بجفاء كبير، وهو ما ظهر من خلال إجرائهما مؤتمرَين صحافيَّين منفصلَين في الوقت نفسه. وباستثناء حديث لافروف عن حمله مقترح نظيره الأوكراني فتح ممرّ إنساني في مدينة ماريوبول إلى القيادة في موسكو، لبحثه واتّخاذ قرار بشأنه، يبدو أن كلا الطرفين ظلّا متمسّكَين بثوابتهما، إذ إن موسكو التي تواصل إعطاء مجال للمفاوضات أملاً في التوصّل إلى اتّفاق يضمن تَحقّق شروطها للحلّ، والمتمثّلة في حيادية أوكرانيا، ونزع سلاحها، واعتراف كييف بتبعيّة جزيرة القرم لموسكو، واستقلال جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك، بقيت مصرّة على تلك الشروط، فيما جدّدت كييف استعدادها لمواصلة الحوار على قاعدة ألّا يكون أيّ اتّفاق متوقَّع بمثابة استسلام.وفيما أوضح لافروف أن المفاوضات الرئيسة هي التي تحصل في بيلاروس، مؤكداً أنها ستستمرّ، نبّه إلى أن اجتماع أنطاليا ليس مساراً بديلاً، وهو ما يعطي إشارة مجدّداً إلى أن موسكو لا تعوّل على التصريحات والبيانات فقط، خصوصاً تصريح الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، قبل يومين - والذي أكد فيه انفتاحه على مناقشة وضع القرم ولوغانسك ودونيتسك مع روسيا، كافّاً النظر عن مسألة الانضمام إلى «الناتو» -، بل الأساس بالنسبة إلى روسيا هو توقيع اتفاق واضح يضمن الشروط التي وضعتها لإنهاء العملية العسكرية. وأشار لافروف إلى أن المحادثات تركّزت على المسائل الإنسانية، لافتاً إلى أن بلاده قدّمت «مسارات لتسهيل عبور المدنيين»، متّهماً السلطات الأوكرانية بأنها «تستخدم المدنيين دروعاً بشرية». وأعلن أن «روسيا قدّمت مقترحاتها وتنتظر الردّ»، مجدّداً اتهام أوكرانيا بأنها خطّطت لشنّ هجوم على مناطق دونباس، والغرب بأنه «سبب هذا الصراع بإرغام أوكرانيا على الاختيار بينه وبين روسيا».
أوضح لافروف أن المفاوضات الرئيسة هي التي تحصل في بيلاروس، مؤكداً أنها ستستمرّ


وكرّر الوزير الروسي التأكيد أن بلاده «مستعدّة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا»، قائلاً «(إننا) نريدها أن تكون محايدة ولا تشكّل خطراً على روسيا أو الثقافة الروسية». كذلك، أكد أن «موسكو مستعدّة لمناقشة الضمانات الأمنية للدول الأوروبية»، كاشفاً أن بلاده «قدّمت مقترحات في هذا الشأن ورُفضت». وحول تسليح الغرب لكييف، حذّر من أن «الغرب يتصرّف بطريقة خطيرة، ويمدّ أوكرانيا بأسلحة فتّاكة قد تقع بأيدي إرهابيين، يجب أن يفهموا خطورة ما يفعلونه»، مطمئناً إلى أن «روسيا لا تخطّط لمهاجمة دول أخرى ولم تهاجم أوكرانيا، لكنّها واجهت وضعاً يشكّل تهديداً مباشراً لأمنها». أيضاً، برز وصف لافروف ردّ الفعل الغربي على العملية العسكرية الروسية بأنه «مسعور»، وتوصيفه ما يجري بأنه «معركة حياة أو موت من أجل حق روسيا في البقاء واحترام مصالحها المشروعة». ولم يغفل الوزير الروسي، في مؤتمره الصحافي، العقوبات الغربية على بلاده، جازماً أن موسكو ستتجاوز هذه الأزمة، قائلاً إنه «لن يكون لدينا بعد الآن أيّ أوهام بأن الغرب يمكن أن يكون شريكاً موثوقاً به». أمّا في ما يتعلّق بقطاع النفط والغاز، فأشار لافروف إلى أن روسيا «لم تستخدم النفط والغاز سلاحاً، ونترك الأمر لضمائر زملائنا الغربيين»، لافتاً إلى أن لدى بلاده «دائماً أسواقاً أخرى للنفط والغاز».
في المقابل، اعتبر وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، كلام لافروف دليلاً على أن «روسيا ستستمرّ في عدوانها حتى تلبّي أوكرانيا مطالبها»، مؤكداً أن أوكرانيا «لن تستسلم». وقال كوليبا إن كييف «مستعدّة لمواصلة الانخراط في بحث وقف الحرب»، مضيفاً: «نحن منفتحون على الحلول الدبلوماسية، لكنّ بوتين يريدنا أن نخضع لمطالبه».