موسكو | افتتحت روسيا، أمس، فصلاً جديداً من المواجهة مع الغرب، ببدئها سلسلة إجراءات لمواجهة العقوبات المفروضة عليها أخيراً، وسط حديث عن إمكانية البدء ببيع موارد الطاقة التي تنتجها بالعملة الوطنية (الروبل). وبحسب المعلومات، فقد وُضع هذا الخيار بالفعل على الطاولة، فيما يجري البحث في تفاصيله وسبل تحقيقه، علماً أن سلوكه سبيل التنفيذ سيعني متاعب كبيرة للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي آثرت إلى الآن تفعيل عقوبات لا تشمل قطاع الطاقة، فيما الواضح أن لا قدرة حتى الساعة على تعويض الغاز والنفط الروسيَين. والجدير ذكره، هنا، أن الاتفاقيات المُوقّعة بين موسكو وبكين تتيح لهما التعامل بالعملات الوطنية، فيما تتّجه الأنظار إلى إمكانية انضمام دول أخرى إلى ذلك الفضاء، بهدف تشكيل ضغط على منطقتَي الدولار واليورو.
أنقر على الصورة لتكبيرها

ميدانياً، شهد يوم أمس تقدّم قوات جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتَين، مدعومة بنيران المدفعية و بغطاء جوي روسي، للسيطرة على 27 نقطة سكنية، وإحكام الطوق حول مدينة مريوبل، آخر مدينة في جنوب غربي الدونباس، والتي تحمل أهمية بالغة في إغلاق المنافذ البحرية أمام القوات الأوكرانية على البحر الأسود. وبحسب خبراء عسكريين، فإن روسيا لم تستخدم، إلى الآن، سوى النسق الأوّل من قواتها، كما لم تتّخذ حتى الساعة قراراً بالدخول إلى المدن، ساعية فقط إلى تأمينها من دون الانجرار إلى مواجهات.
في خاركوف، مثلاً، تموضعت القوات الروسية في محيط المدينة، ومع محاولتها الدخول من دون تغطية نارية، وُوجهت بمقاومة من المجموعات النازية، ما أدى إلى تدمير رتلَين مدرّعَين، وانسحاب القوّة مجدّداً إلى المحيط. أمّا في كييف، فجرى توزيع آلاف قطع السلاح التي وقع معظمها في أيدي المتطرّفين، كما جرى إطلاق المحكومين من السجون، لتعمّ الفوضى وأعمال النهب والسرقة. والظاهر أن القوات الروسية لم تتّخذ قراراً باقتحام المدينة بعد، لا سيما أن المجموعات النازية «تتّخذ من المدنيين دروعاً بشرية»، كما تقول وزارة الدفاع الروسية.
الضغط الذي تمارسه القوات الروسية حتى الآن هو ضغط عسكري «ناعم» نسبياً


بيد أن قراراً اتُّخذ بالدخول إلى مدينة ماريوبل البحرية، انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية، وذلك لإحكام السيطرة على المنافذ البحرية. ولا تحتوي هذه المدينة سوى بعض المتطوّعين الأوكرانيين، وعددهم غير كافٍ لتوليد حالة مقاومة، ومن هنا يُتوقّع سقوط ماريوبل في وقت قريب. أمّا قوات الإنزال البحري والقوات المظلّية فهي جاهزة للتدخّل في النسق الثاني في المعركة، على طول الشريط الساحلي للحدود الجنوبية الأوكرانية، ولكن الوقت لم يحن بعد لهذا التدخّل، على ما يقول الخبراء. كما أن القوات الجوية الروسية والمدفعية الثقيلة لم تتدخّل حتى الآن على نحو مكثف، على رغم إدخال منظومات الراجمات والمعدّات الثقيلة لتكون على استعداد لتنفيذ الأوامر حين إصدارها.
باختصار، الضغط الذي تمارسه القوات الروسية حتى الآن هو ضغط عسكري «ناعم» نسبياً، لتجنّب إيقاع ضحايا ودمار، فيما ثمّة أمل في موسكو في تولّي القوات المسلحة الأوكرانية السلطة، بخاصة أن كثيراً من ضباطها وجنودها أعيدوا إلى منازلهم بعد توقيعهم تعهّداً بعدم المشاركة في أي مواجهة. وفي حال لم تسفر المفاوضات في مدينة غوميل البيلاروسية عن نتائج مهمّة، فالمتوقع أن تندفع القوات الروسية إلى اقتحام المدن وإحكام السيطرة عليها، ولكن يُخشى في هذه الحالة من سيناريو حرب الشيشان. أمّا في منطقة الدونباس، فالوضع مختلف، إذ إن القوات الروسية تبدو مصمّمة على حسم المعركة هناك، واستعادة كامل مساحة الإقليم.