موسكو | توجّهت الأنظار، أمس، إلى المفاوضات التي انطلقت بين الوفدَين الروسي والأوكراني في مقاطعة غوميل البيلاروسية الحدودية مع أوكرانيا. وأكد رئيس الوفد الروسي المفاوض، فلاديمير ميدينسكي، أنه «جرى العثور على نقاط في المحادثات، يمكن بموجبها التنبّؤ بمواقف مشتركة». وقال ميدينسكي إن الجولة التالية ستُعقد على الحدود البولندية - البيلاروسية قريباً. ونقلت وسائل إعلام روسية، بدورها، عن مصادر مطّلعة على المفاوضات التي استمرّت على 3 جولات، قولها إن «الجانبين الروسي والأوكراني اختتما المحادثات، التي كان الهدف الأساسي منها بحث وقف إطلاق النار في أوكرانيا». وأضافت المصادر أن الجانبَين حدّدا «عدداً من المسائل التي تحتاج إلى الحلّ، والتي من أجلها التقى الوفدان». ولفتت إلى تزامن المحادثات مع اتصال جديد بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حيث «تبادل الرئيسان بشكل جادّ وشامل وجهات النظر بخصوص جميع جوانب الوضع حول أوكرانيا»، بحسب بيان الكرملين.وشدّد بوتين، خلال الاتصال، على أن التسوية ممكنة فقط إذا تمّ أخذ المصالح الأمنية المشروعة لروسيا في الاعتبار، وحدّد ذلك بـ»الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وحلّ مسائل نزع السلاح والقضاء على نازية الدولة الأوكرانية وضمان وضعها المحايد». كذلك، أكد الكرملين أن «الجانب الروسي منفتح على المفاوضات مع ممثّلي أوكرانيا، ويعوّل على أن تؤدي إلى النتائج المرجوة». من جهته، قال الإليزيه إن بوتين تعهّد بعدم استهداف المدنيين، فيما طالبه ماكرون بوقف إطلاق النار وحماية البنية التحتية المدنية والطرق. وفيما تحثّ فرنسا، روسيا، على وقف إطلاق النار، إلّا أن الاتحاد الأوروبي، ومن خلال الخطوات التي يتّخذها، ينغمس أكثر وأكثر في العمليات العسكرية، من خلال الدفع في اتّجاه تقديم الدعم التسليحي واللوجستي لكييف، على قاعدة «سنقاتل روسيا بالأوكرانيين حتى آخر أوكراني».
وفي هذا السياق، وبعد إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد سيموّل للمرّة الأولى في تاريخه شراء وتسليم أسلحة لدولة تخوض حرباً، وهي أوكرانيا، بقيمة 500 مليون يورو، أكد منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن دول التكتّل «عازمة ومصمّمة على توفير مساعدات عسكرية لأوكرانيا». كما كشف أن الاتحاد أقام مركزاً في مدريد لدعم كييف بالمعلومات الاستخباراتية عن تقدّم القوات الروسية على الأرض. ومن شأن هذه الخطوات أن تضع موسكو وبروكسل أمام تحدٍّ كبير لضبط الوضع منعاً لتدهوره، خصوصاً أن بوتين كان واضحاً في خطابه خلال إطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة، بأن بلاده «ستردّ بقوّة وبشكل غير مسبوق على أيّ جهة ستهدّد أمن روسيا».
أمّا في سير المعارك العسكرية لليوم الخامس على التوالي، فأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن «موسكو تقوم فقط بوضع حدّ لتهديدات نظام كييف»، مؤكدة أن «روسيا ليست من بدأت الحرب في دونباس وأوكرانيا، لكنها هي من ستنهيها». كما أكدت الوزارة، أمس، السيطرة الكاملة على الأجواء الجوية الأوكرانية، مُعلِنةً أنها فتحت ممرّات آمنة للمدنيين الراغبين في مغادرة كييف وخاركوف. في المقابل، استبعد الأمين العام لـ»حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، إمكانية فرض الحلف حظراً للطيران فوق أوكرانيا. وفيما أكد ستولتنبرغ أن «لا نية لدينا للتدخل في أوكرانيا، لا على الأرض ولا في الفضاء الجوي»، شدّد على أن المسؤولية على عاتقه تكمن في ضمان «عدم خروج هذا الصراع عن السيطرة، وتطوّره إلى حرب واسعة النطاق في أوروبا بمشاركة حلفاء الناتو». وجاء هذا في وقت أفادت وزارة الدفاع الروسية بأن «العمل جارٍ على إطباق الحصار على مدينة ماريوبل على بحر آزوف من جميع الجهات»، وهو ما أكدته القوات الشعبية لدونيتسك ولوغانسك، بإعلانها أن قواتها تقترب من ماريوبل، وستتمكّن قريباً من تطويق المدينة.
أعلنت وزارة المالية والبنك المركزي مجموعة من الإجراءات غير المسبوقة لتحقيق الاستقرار المالي


ولم تكن التطوّرات السياسية والعسكرية فقط، محطّ اهتمام الشارع الروسي والعالم، بل كانت الأنظار مصوَّبة نحو صدى العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، والتي فُرضت نهاية الأسبوع. ومع افتتاح الأسواق، أمس، والتداولات المالية، سُجّل تدهور كبير في سعر الروبل أمام الدولار واليورو، في وقت عمد البنك المركزي إلى إغلاق البورصة، في خطوة كان الهدف منها تخفيف حالة التوتر في الشارع، إضافة إلى إعطاء فرصة لبدء تطبيق الإجراءات التي اتّخذها. وفي هذا الشأن، أعلنت وزارة المالية والبنك المركزي مجموعة من الإجراءات التاريخية غير المسبوقة لتحقيق الاستقرار المالي في البلاد. وقرّر البنك رفع سعر الفائدة الرئيس إلى مستوى 20% سنوياً، في حين سمح لبنوك بأن تقدّم فائدة وصلت إلى نحو 23%، في ظلّ الضغوطات التي تتعرّض لها العملة الروسية. وأكد حاكم «المركزي الروسي» أن «المصارف الروسية كلّها ستفي بالتزاماتها، وجميع أرصدتها آمنة».
وفي الإطار نفسه، أصدر بوتين مرسوماً يقضي باتخاذ إجراءات اقتصادية خاصة لاحتواء الخطوات «غير الودّية» التي تبنّتها الولايات المتحدة والدول الغربية. وكان بوتين قد بحث، في اجتماع حكومي، العقوبات الغربية على روسيا، والتي شملت البنك المركزي الروسي. ووصف، في الاجتماع، الغرب بأنه «إمبراطورية الكذب»، فيما أعلن المتحدّث باسم الرئاسة، دميتري بيسكوف، أن الرئيس أوعز إلى الحكومة بالإبقاء على جميع معدلات الفائدة في القروض الممنوحة، قبل 28 شباط 2022، كما هي. وفيما أكد الكرملين أن «الردّ على العقوبات الغربية سيكون بشكل ملائم ومنسجم مع مصالحنا»، تحدث الخبراء الروس في هذا الشأن عن أن لدى موسكو خيارات عدّة للردّ على العقوبات الغربية، وستكون مؤلمة للغرب. كذلك، لم يستبعد الخبراء أن يعمد الغرب إلى فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، مع ما يعنيه هذا من إضرار كبير بالاقتصاد العالمي.



انطلاق المناوبات القتالية لـ«الثالوث النووي»
أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أمس، أن قوات «الثالوث النووي الروسي» بدأت مناوباتها القتالية بطواقم معزّزة. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن شويغو أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين، أنه تنفيذاً لأمره، شرعت مراكز التحكّم التابعة لقوات الصواريخ الاستراتيجية والأسطول الشمالي وأسطول المحيط الهادئ وقيادة الطيران بعيد المدى، بتلك المناوبات. واستحوذ أمر بوتين وضع قوات الردع الاستراتيجية في حالة جاهزية قتالية قصوى، على اهتمام المحلّلين الروس. ورأى كبير الباحثين في «الأكاديمية العسكرية لقوات الصواريخ الاستراتيجية»، فاسيلي لاتا، أن هذا الأمر «لا يهدف إلى تصعيد الصراع مع الدول الغربية، بل على العكس من ذلك، منع تفاقمه». واعتبر لاتا، في تصريح إلى صحيفة «كومرسانت»، أن قرار الرئيس بمثابة تحذير آخر للولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو» بشأن عدم جواز التدخّل في الصراع العسكري في أوكرانيا. ووفقاً للباحث، فإن بوتين أرسل إلى الغرب إشارة أخرى إلى «أنّنا نجري عملية خاصة، ولا تحاولوا التورّط في ذلك، نحن مستعدّون لاتخاذ إجراءات حاسمة». وبرأي لاتا، فإن ذلك، وفقاً للوضع الحالي، «أمر ضروري ومعقول، لأنه سيبرّد الرؤوس الساخنة على الجانب الآخر». بدوره، رأى الخبير في «مركز الأمن الدولي الروسي»، دميتري ستيفانوفيتش، أن رسالة بوتين وصلت إلى الغرب، لافتاً إلى أن «دول الناتو بدأت على الفور في التأكيد أنه ليست لديها نوايا عدوانية ضدّ روسيا». أمّا الخبير العسكري، أليكسي ليونكوف، فأوضح أن وضع «الثالوث النووي في حالة تأهّب قصوى يعني أنه مستعدّ للردّ الفوري على أيّ تهديدات تَعتبرها روسيا ضدها». وأكد ليونكوف أن الإجراء دفاعي، ومتّسق مع «العقيدة العسكرية لروسيا، والتي لم تتغيّر».