عُقد، نهار السبت الماضي، اجتماعٌ غير مسبوق في تاريخ تركيا الحديث، ضمّ زعماء ستّة أحزاب معاً، لتشكيل جبهة تضع نصب عينها الإطاحة بالرئيس الحالي، رجب طيب إردوغان، وحزب «العدالة والتنمية»، وشريكه حزب «الحركة القومية»، برئاسة دولت باهتشلي. وضمّ اللقاء المذكور كلّاً من: كمال كيليتشدار أوغلو (زعيم حزب «الشعب الجمهوري»)، مرال آقشينير (زعيمة «الحزب الجيد»)، علي باباجان (زعيم حزب «الديموقراطية والتقدّم»)، أحمد داود أوغلو (زعيم حزب «المستقبل»)، تيميل قره ملا أوغلو (زعيم حزب «السعادة»)، وغولتكين أويصال (زعيم «الحزب الديموقراطي»). وعُقد الاجتماع الاستثنائي، الذي وُصف بـ»التاريخي»، في قاعة أخلاطليبل في أنقرة، حيث استمرّ لمدّة خمس ساعات ونيف. ومن خلال تغريدات الزعماء المشاركين، يتبيّن أن الداعي إلى اللقاء وعرّابه، هو كمال كيليتشدار أوغلو.وتُعدّ الأحزاب الستّة المشارِكة متفاوِتة القوة، بينما يُعتبر أكبرها حزب «الشعب الجمهوري»، الذي يحظى بتأييد حوالى 26% من الناخبين، يليه «الحزب الجيد» القومي، بنسبة 13- 15%. أمّا حزب «الديموقراطية والتقدّم»، فلا تتجاوز نسبة أصواته، وفق استطلاعات الرأي، الأربعة أو الخمسة في المئة، وحزب «المستقبل» الثلاثة في المئة، وحزب «السعادة» الاثنين في المئة، في حين تقلّ نسبة «الحزب الديموقراطي» عن واحد في المئة. ويعني ذلك أن التحالف الجديد، الذي لم يتّخذ بعد اسماً له، يضمّ حزبَين كبيرين، وكتلة ثالثة من أربعة أحزاب صغيرة. كما أنه يتميّز بتنوّع اتجاهاته الفكرية والسياسية ما بين ثلاثة تيارات: علماني (حزب «الشعب» الجمهوري)، وقومي («الحزب الجيد»)، وإسلامي (الأحزاب الأربعة الأخرى). ولربّما تكون هذه «الخلطة» الأولى من نوعها على مدى عقود، لكنّ هذا التنوّع يُكسبها، من دون شك، قوة إضافية قد تكون قادرة على استقطاب شرائح جديدة من المجتمع، كانت تميل سابقاً إلى التصويت لحزب «العدالة والتنمية»، بزعامة إردوغان. كذلك، تمتاز بعض أحزاب التحالف الوليد، بأنها برئاسة شخصيات كان لها دور مركزي ومؤثّر في مسيرة «العدالة والتنمية» وسياساته، مثل علي باباجان وأحمد داود أوغلو، فضلاً عن أنّها تضمّ الخطّ الفكري الذي تركه زعيم «الحركة الإسلامية»، الراحل نجم الدين أربكان، والمتمثّل بحزب «السعادة».
ولعلّ من أبرز مميّزات اللقاء، أنه انعقد حول طاولة مستديرة، في رسالةٍ بِنيّة المشاركين العمل معاً من دون النظر في حجم كلّ حزب على حدة. كذلك، انعقد الاجتماع في قاعة متواضِعة في إحدى الحدائق، في نطاق بلدية تشانقايا التي تتمتّع برمزية في تركيا، إذ كان يقع في نطاقها القصر الجمهوري الذي يُعرف بقصر تشانقايا، والذي بُني بأوامر من أتاتورك عام 1932، واتُّخذ مقرّاً لرئاسة الجمهورية، إلى أن أنشأ رجب طيب إردوغان، قبل عدّة سنوات، قصراً مهيباً على النمط السلجوقي في مرتفع «الخمس تلات» (بش تبه) المطلّ على أنقرة. وفي اختيار المكان أيضاً، إشارة إلى السعي للعودة إلى أُسس الجمهورية العلمانية التي نسفها إردوغان، بتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، في عام 2018. وفي أعقاب الاجتماع، أوضح رؤساء الأحزب المشاركون، في بيان مكتوب، أن الإعلان النهائي وخطّة العمل سيُعلنان يوم 28 شباط الحالي، وهو ما لا يبدو عبثياً، إذ إن هذا التاريخ شهد ما يمكن تسميته بالانقلاب الرابع، عندما اجتمع مجلس الأمن القومي التركي عام 1997، واتّخذ قرارات ضدّ رئيس الحكومة الإسلامي آنذاك، نجم الدين أربكان، الذي رضخ للضغوط واستقال بعد أربعة أشهر. كما أن اختيار التاريخ المذكور يُعدّ إشارة إلى رفض السلوك غير الديموقراطي من قِبَل العسكر ضدّ رئيس حكومة منتخَب، وبالتالي التأكيد أن طريق الديموقراطية الفعلي في تركيا، يمرّ عبر إلغاء النظام الرئاسي الذي استحدثه إردوغان، والعودة بالبلاد إلى نظام جديد أساسه البرلمان، علماً أن السلطة الحاكمة اتّهمت «لقاء الستة» بأنه، بتحديد تاريخ 28 شباط، يحنّ إلى عهد الانقلابات العسكرية وإعادة تركيا إلى الوراء.
ركّز النقاش على إقامة نظام برلماني قوي ووضع خريطة طريق لكيفية تشكيل الحكومة


وفي انتظار اليوم الموعود، خرج الاجتماع ببيانٍ اعتبر أنّ «السبب الأهم للأزمات التي تمرّ بها تركيا، اليوم، هو بلا أدنى شكّ الإدارة التي لا تعترف بقاعدة، وتدير البلاد بمزاجية تحت اسم نظام الحكومة الرئاسية». وركّز النقاش، وفق البيان، على إقامة نظام برلماني قوي، ووضع خريطة طريق لكيفية تشكيل الحكومة، في حال فازت المعارضة، ما يعني إدارتها البلاد وفقاً للدستور الحالي، والتوحُّد خلف معايير محدّدة لملاحقة المتّهمين بالفساد من أركان السلطة الحالية، فضلاً عن جعل المشورة والمصالحة أساس «النظام البرلماني القوي»، وليس الاستقطاب، والتركيز على «إقامة تركيا ديموقراطية تلتزم بمعايير الاتحاد الأوروبي».
ومع أن مجموع ما يمكن أن تمثّله أصوات التحالف الجديد يقارب الخمسين في المئة، إلا أن هذه النسبة لا تبدو مطمئِنَة تماماً، في مقابل «تحالف الجمهور»، الذي يمثّله الثنائي إردوغان - باهتشلي، والذي تُقارب أصواته الأربعين في المئة. وفي هذا الإطار، ثمّة إشكاليتان رئيستان: الأولى، أن المجتمعين لم يبحثوا، منذ الآن، في اسم المرشّح المشترك بينهم لمواجهة إردوغان، والأهمّ بالنسبة إليهم هو المعايير والثوابت، وحين الاتفاق عليها، يمكن حسم المرشّح الذي لن يكون شخصية هامشية. أمّا النقطة الثانية، فتتمثّل في السؤال التالي: أين يقف المجتمعون من حزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي، والذي تقارب أصواته العشرة في المئة، وربّما أكثر؟ إذ أبدى الرئيس المشارك للحزب، مدحت سنجار، ردَّ فعل سلبيّاً على اللقاء، متسائلاً: «كيف يمكن بناء تركيا جديدة من دون حزبنا». وقال إن «مَن يعادي حزبنا لا يختلف بشيء عن الحزبين الحاكمَين». وبينما اعتبر أن على المجتمعين أن يجيبوا على ذلك، فقد شدّد على أن أيّ قوة في تركيا ليس من حقّها أن تعتبر نفسها قوّة معارضة، إذا كانت تقارب بعدائية حزب «الشعوب الديموقراطي». ورأت الرئيسة الثانية المشاركة للحزب، برفين بولدان، بدورها، أن «الذين استبعدونا عن اللقاء وأنكرونا، يعرفون جيّداً أنه سيأتي يوم، نحن الذين لن نعترف بهم فيه». وقالت إنه «باستثناء حزب واحد، فإن مجموع كلّ أصوات الأحزاب المجتمعة لا تصل إلى نصف مجموع أصواتنا». وأضافت: «لسنا لقمة سائغة. وكما قال صلاح الدين ديميرطاش (رئيس الحزب السابق المسجون)، نحن حمّص من حديد، إذا وضعتموه في فمكم تتكسّر أسنانكم». والظاهر أن «الشعوب الديموقراطي» يميل إلى تشكيل تحالف ثالث مع أحزاب يسارية، ليصبح المشهد السياسي أمام ثلاثة تحالفات: «الجمهور» التابع للسلطة، و»لقاء الستة» المعارِض، وتحالف الأكراد واليساريين. على أن موقف الحزب الكردي لا يعكس عدائية كاملة للأحزاب الستّة، والعكس بالعكس، ما يعني إمكانية التقائهما؛ إذ أشار كمال كيليتشدار أوغلو إلى أن اللقاء لا يتجاهل الحزب الكردي، وهناك لقاءات آتية، فيما أبقى مدحت سنجار الباب مفتوحاً أمام مرشّح مشترك متجاوب مع المطالب الكردية. ولعلّ تأجيل المجتمعين البحث في المرشح المشترك، يستهدف إدامة الفرصة قائمة للتفاهم مع الحزب الكردي حول مطالبه، وبالتالي طرح مرشّح مشترك بين الطرفين، يضمن لنفسه ما لا يقلّ عن ستين في المئة من الأصوات، علماً أن المطلوب للفوز هو خمسون في المئة وفاصلة فقط.
في هذا الوقت، قوبل «لقاء الستة» بحملةٍ من نوّاب «العدالة والتنمية» ووسائل إعلامه، إذ قال رئيس كتلة الحزب في البرلمان، بولنت طوران، إن المعارضة رفعت شعار خلع إردوغان مهما كانت التداعيات، ولسان حالها «ليس المهم خلافاتنا، بل إسقاط إردوغان»، مستدركاً بأن «الأمّة هي الحَكم الأفضل». ومن جهته، اعتبر وزير الداخلية، سليمان صويلو، أنه «لو اجتمع هؤلاء حول عشر طاولات مستديرة، فإن الأمّة لن تدع لهم مكاناً بينها»، فيما شبّهت وسائل إعلام الحزب اللقاء بأنه «لقاء الفرسان الستة».