في كانون الأول الماضي، مع اقتراب المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا من الانهيار، بسبب رفْض طهران السماح بمراقبة دولية لمنشأة نووية حيوية، توسَّط كبير المفاوضين الروس في المحادثات، في صفقة تضْمن دخول المفتّشين، وتجنُّب أزمة دبلوماسية كبيرة. برز ميخائيل أوليانوف، المبعوث الروسي، كبطل غير متوقّع في المفاوضات، وحصل على إشادة من كبار المسؤولين، فيما يَعتقد مسؤولون أميركيون ومراقبون آخرون، أن الرجل ساعد في إبقاء المحادثات على المسار الصحيح. على طول الطريق، حصل أوليانوف على درجة من الشهرة، من خلال موجز «تويتر» الخاص به، حيث يؤدّي دور المؤرّخ والمشجّع للاتفاق النووي، بينما يتحدّى أيضاً جهود الولايات المتحدة لممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة الإيرانية.وفي هذا الإطار، قال دبلوماسي كبير تحدّث إلى أوليانوف، بشأن دبلوماسيّة الأخير على «تويتر»: «لقد رأى إمكانية تأطير أجندة الأخبار على تويتر»، مضيفاً: «وجد مكانه». من جهته، أوضح علي واعظ، خبير إيران في «مجموعة الأزمات الدولية»، التي تؤيّد العودة إلى الاتفاق النووي، أن «موجز أوليانوف على تويتر، هو أقرب شيء إلى التحديثات الحيّة، بشأن العمل الدبلوماسي الدقيق الذي يتمّ إجراؤه خلف الأبواب المغلقة». وقد برز في الوقت الذي كان فيه المسؤولون الغربيون خجولين بعض الشيء في تقييماتهم، وبينما كان الإيرانيون يبالغون في مقدار التقدّم، كما يحتفظ الصينيون بأوراقهم بالقرب من صدورهم. لذلك، «يصبح أوليانوف، بشكل افتراضي، المتحدث غير الرسمي باسم المفاوضات»، وفق واعظ. هذا الأخير وصف المُفاوِض الروسي بالقول: «إنه دبلوماسي كلاسيكي، بسبب رغبته التي لا تعرف الكلل في رؤية نصف الكأس ممتلئاً، بينما ينعم بحرب الخنادق الدبلوماسية المتعدّدة الأطراف». لقد أنقذ المحادثات النووية الإيرانية من الانهيار، كما أنقذ العلاقات بين إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، مرّات عدّة، في الأشهر القليلة الماضية.
لكنّ منتقدي أوليانوف يقولون إنه يخدم فقط الدور التقليدي لحكومته، والمتمثّل في تقويض النفوذ الأميركي، وتأمين أفضل صفقة ممكنة لدولة حليفة مهمّة. كما يجادل منتقدوه بأن الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى، منحت المبعوث الروسي دوراً بارزاً للغاية كوسيط بين واشنطن وطهران، اللتين لا تتفاوضان مباشرة في فيينا. وفي هذا السياق، قال ريتشارد غولدبيرغ، كبير المستشارين في «مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطيات»، التي تنتقد الاتفاقية النووية: «أوليانوف حليف للإيرانيين بتوجيه من موسكو»، مضيفاً: «إذا وضعْت الروس في مقعد القيادة للمفاوضات مع إيران، فمن الواضح أنك ستحصل على نتائج ذلك». وتابع غولدبيرغ، الذي تنازع مع أوليانوف على «تويتر»: «أنا أعتبره أحد كبار ضباط المعلومات المضلِّلة في الاتحاد الروسي، عندما يتعلّق الأمر بحماية الدول العميلة تحت ضغط من المجتمع الدولي، بشأن قضايا الحدّ من التسلح».
من جهته، قال أوليانوف: «نحن أشخاص بالغون». وأضاف: «نحن على استعداد للتعاون بعضنا مع بعض في القضايا ذات الاهتمام المشترك. إيران مثالاً على ذلك. لدينا مصالح مشتركة في استعادة خطّة العمل الشاملة المشتركة، ونحن لا نخلط بين الأهداف الواقعية». وأشار أوليانوف إلى أن قرار دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات على طهران كجزء من «حملة الضغط الأقصى»، «ضارّ للغاية بالولايات المتحدة وإسرائيل والجميع عملياً، لأن إيران - وأعتقد أن لديها الحق في القيام بذلك - قرّرت أنه إذا لم يفِ الطرف الآخر، أي الولايات المتحدة، بالتزاماته، فيمكنها حينئذٍ الانحراف بشكل كبير عن التزاماتها بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة». وختم بالقول: «النتيجة سلبية للغاية، وكلّما عكسنا العملية، كان ذلك أفضل».
أوليانوف تدخّل مراراً، في محاولة لإبقاء المحادثات على مسارها، وفقاً لواعظ، الذي قال إن الدبلوماسي الروسي ساعد في إقناع (كبير المفاوِضين الإيرانيين) باقري كني، في تشرين الثاني، بالموافقة على مناقشة التزامات إيران النووية، بالتوازي مع المحادثات بشأن تخفيف العقوبات. ولفت إلى أن أوليانوف كان مفيداً أيضاً، في إقناع القيادة الإيرانية بالاجتماع مع رئيس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، في طهران، لحلّ الخلافات حول وصول المفتشين النوويين. كما لعب دوراً حاسماً في إقناع طهران بالموافقة على إعادة تثبيت كاميرا الوكالة في كرج، وفي إرساء الأساس لجولة ثامنة من المفاوضات، بدأت في 27 كانون الأول، ومن المتوقّع أن تنتهي في وقت ما في شباط. وخلال المفاوضات، أشار أوليانوف إلى أن روسيا حثّت إيران على تعليق أيّ أنشطة تنتهك الاتفاق النووي لعام 2015، بينما ضغطت على الأميركيين لوقف «سياسة الضغط القصوى، أو على الأقلّ عدم فرض عقوبات جديدة (أثناء المفاوضات)».
وأضاف أوليانوف: «في رأيي، تلعب روسيا دور الوسيط النزيه»، متابعاً: «نحن لا ننحاز إلى أيّ طرف. إذا اختلفنا مع الإيرانيين، فإنّنا ننتقدهم، سواءً علناً أو سرّاً، ويمكننا أن نكون منتقدين إذا كان زملاؤنا الغربيون سيرتكبون خطأ».
(كولوم لينش، «فورين بوليسي»، بتصرّف)