في الثالث عشر من كانون الأوّل الحالي، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، تعيين ممثّل تركي خاص لدى أرمينيا، وهو ما قابَله المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأرمينية، بإيجابية، مُعلِناً في المقابل أن بلاده ستعمد إلى تعيين ممثّل خاص لها في أنقرة، من أجل إطلاق الحوار بين البلدين. ويُعتبر هذا الإجراء المتبادل، الأوّل من نوعه منذ سقوط اتفاق عام 2009، والذي هدف إلى تطبيع العلاقات بينهما. وبالفعل، قامت أنقرة، في الرابع عشر من كانون الأول، بتعيين السفير سردار كيليتش لهذه المهمّة. وكيليتش من الديبلوماسيّين الذين يتمتّعون بتجربة غنية؛ فقد كان ما بين عامَي 2006 و2008 مساعد المدير العام لوزارة الخارجية لدى «حلف شمال الأطلسي»، ومن ثمّ أصبح سفيراً في بيروت بين عامَي 2008 و2010، قبل أن يصبح بين عامَي 2010 و2012 أوّل أمين عام مدني لمجلس الأمن القومي التركي. بعدها، عُيّن كيليتش سفيراً في طوكيو لعامين، قبل أن يتولّى منصب السفير في واشنطن عام 2014، ليتقاعد خلال العام الحالي.اللّافت في إعلان أوغلو قوله إن قرار التطبيع اتُّخذ «بالتنسيق مع آذربيجان»، في ما يبدو محاولة لتجنُّب أيّ إشكالات مع باكو، التي كانت عارضت اتفاق 2009، بذريعة أنه لم يربط تحسين العلاقات مع أرمينيا بإيجاد حلّ لقضيّة قره باغ، علماً أن البرلمان الأرميني فسَخ نهائياً، في عام 2018، الاتفاق المذكور، الذي وُقّع في عهد الرئيس سرج سركيسيان، والذي لم يُقرّ أساساً في أيٍّ من البرلمانَين التركي والأرمني، بعدما وَقّعه كلّ من أوغلو، ونظيره الأرميني إدوارد نالبنديان، برعاية وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون. اليوم، تبدو الأمور أكثر مؤاتاةً لحوار تركي - أرميني، في ظلّ هزيمة يريفان في حرب قره باغ، قبل حوالى عام، وفي ظلّ وجود رئيس وزراء أرميني، هو نيكول باشينيان، أكثر انفتاحاً على إقامة علاقات طبيعية مع تركيا، لاسيما بعدما بقي في موقعه، إثر انتصاره في الانتخابات التي تلت هزيمة قره باغ.
ويَنظر المراقبون الأتراك، ولا سيما الموالون للرئيس رجب طيب إردوغان، إلى خطوة التطبيع، على أنّها الأهمّ بين البلدين في السنوات الأخيرة، كما في السياسة الخارجية التركية. وفي هذا الإطار، تَلفت نيلغون تيكفيدان، في صحيفة «حرييات»، إلى أن تعيين ممثّل خاص لكلّ بلد لدى الآخر، سيَعقبه فتْح الحدود بينهما، وبدء تركيا استثمارات في أرمينيا، على رغم الأزمة الاقتصادية في الأولى، التي تأمل أن يتّسع التعاون ليشمل كلّاً من روسيا وآذربيجان وإيران وجورجيا، وليفتح ذلك الباب أمام احتمال «ربيعٍ قوقازي». من جهته، يتحدّث الكاتب المقرّب من «حزب العدالة والتنمية»، حسن بصري يالتشين، في صحيفة «صباح»، عن مرحلة جديدة من العلاقات، مستدركاً بأن التجربة المُرّة لعام 2009، تجعل البلدَين يسيران بحذر. ووفق يالتشين، فإن «الانطباع هو أن الأمور ليست سيّئة، فإقليم قره باغ الذي كان عقبة أمام التطبيع التركي - الأرميني عاد بمعظمه إلى آذربيجان، كما أن الحَربة الأرمينية اليوم أكثر انخفاضاً». ويُضيف الكاتب أن «عدم المَيْل الروسي لباشينيان، كما عودة الأخير للانتصار في الانتخابات، يجعلانه أكثر قابلية للتباحث مع تركيا، والخروج من الضغوط الروسية عليه، والتي وصلت إلى حدّ محاولة إزاحته من موقعه، وهذه فرصة لتركيا للتطبيع معه»، مشدّداً في الوقت نفسه على ضرورة «عدم إهمال الأطراف، دور اللّوبي الأرميني غير المستعدّ للتساهل مع تركيا، ولو ذرّة واحدة، في أيّ مسألة».
يَنظر المراقبون الأتراك إلى خطوة التطبيع على أنّها الأهمّ بين البلدين في السنوات الأخيرة


بدوره، يُشير برهان الدين دوران، الخبير الاستراتيجي المقرّب من إردوغان، إلى أهمية المرحلة الجديدة بين تركيا وأرمينيا، لا سيّما بعد بقاء باشينيان في السلطة، على رغم خسارته الحرب في القوقاز. ويرى أنه «على الرغم من جهود فرنسا والاتحاد الأوروبي للتقريب بين آذربيجان وأرمينيا، فإن روسيا وتركيا تَبقيان الأكثر تأثيراً من أجل التوصّل إلى اتفاقية سلام شاملة، كما تَنظر الولايات المتحدة بإيجابية إلى هذا الأمر». وإذ يلفت إلى أن «الظروف الدولية متسارعة، وفي تَغيّر»، فهو يَعتبر أن «أنقرة مصمّمة على بدء عملية ترميم العلاقات مع تل أبيب والرياض والقاهرة، ولن يكون مفاجئاً أن يشهد عام 2022 خطوات كبيرة في اتّجاه التطبيع المتعدّد الأطراف في المنطقة. حتى العلاقات بين أنقرة وأثينا قد تشهد تَغيّرات معيّنة». وبناءً على ما تَقدّم، يَصِف دوران، باشينيان، بأنه «قارئ جيّد لهذه المتغيّرات، وربّما يكون الزعيم الأكثر مناسبة لأرمينيا في هذه المرحلة، بل إنه نجح في أن يكون خيار العواصم الغربية»، مضيفاً أن «الهمّ الأكبر لرئيس الوزراء الأرميني حالياً هو كيف يمكن التخفيف من الآثار السلبية لهزيمة قره باغ على المجتمع الأرميني، وإخراج بلاده من عزلتها الديبلوماسية والتجارية، ورفْع المستوى المعيشي للشعب»، متابعاً أن «هذا لا يمرّ إلّا بتطبيع العلاقات مع آذربيجان وتركيا، وإن كان اجتماع الدول الستّ ناقصاً جورجيا». وفيما يُشير إلى أن «فتْح ممرّ زينغيزور وبدء رحلات طيران تشارتر إلى يريفان، يُعتبران مؤشرَين جيّدَين»، فهو يؤكد أن «مسألة عدم مشاركة جورجيا في الاجتماعات سيتمّ إيجاد حلٍّ لها». أمّا إيران، فيعتقد الكاتب أنها «على الرغم من قلقها من النفوذ التركي المتزايد، إلّا أنها لا تقف ضدّ عملية التطبيع الجارية في القوقاز»، مُنهياً مقاله بالتأكيد أن «نافذة فرصة» انشقّت هناك، في انتظار رؤية كيف ستسير الأمور لاحقاً.