بدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارته، أمس، لباريس، المحطة الثانية من جولة بدأها الاثنين في روما، والتي يسعى من خلالها إلى التقارب مع أوروبا، بعد رفع العقوبات عن بلاده، خصوصاً أن إيران تعمل على إعادة بناء علاقاتها مع إيطاليا وفرنسا، اللتان كانتا شريكتين اقتصاديتين رئيسيتين لطهران، قبل تشديد العقوبات الدولية في كانون الثاني 2012.
وفي مؤتمر صحافي عقده في ختام زيارته إيطاليا، وجّه روحاني انتقاداً شديداً إلى السعودية، رافضاً الاعتذار عن إحراق سفارة الرياض في طهران، في بداية كانون الثاني، وداعياً الرياض إلى القيام "بالخيارات السليمة" لاحتواء التوتر بين البلدين. وأكد أنه ليس من واجب إيران القيام بخطوة تجاه المصالحة في الأزمة التي دفعت بالرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. وقال: "لماذا نعتذر، لأن (الناشط ورجل الدين) نمر النمر أعدم؟ هل نعتذر لأنهم يقتلون شعب اليمن؟ هل نعتذر لهم لأنهم يساعدون الإرهابيين؟". وأضاف: "هم الذين يجب أن يعتذروا للمسلمين مئات المرات".
من المتوقع أن تشهد زيارة روحاني لباريس توقيع عقود تجارية مهمة

كذلك شدد على "أننا لا نريد استمرار التوتر مع السعودية"، لكن ردّ فعل الرياض "ليس له أي مبرر"، مندداً بالسياسة "العدوانية" التي تنتهجها السعودية، وخصوصاً في اليمن.
ووصف روحاني إيران والسعودية بأنهما بلدان جاران ومسلمان، ولهما ثقلهما في المنطقة. وقال: "نحن دعونا دائماً إلى إقامة علاقات جيدة وأخوية مع السعودية"، مضيفاً أن "هناك مشاکل تعرّضت لها علاقات البلدين، في فترات مختلفة"، إلا أن "إعدام عالم ديني يبعث علی الأسف البالغ ونحن ندين ذلك بشدة".
وقال إن تنفيذ حكم إعدام الشيخ النمر واجه سخطاً واستنكاراً شديداً من قبل إيران، حكومة وشعباً، کما أن الكثير من الدول الغربية والأوروبية أدانت ذلك.
وأوضح أن البعض انجرفوا وراء مشاعرهم في حادث اقتحام السفارة، ما أوقع حريقاً في جزء منها "فأنا أری أن هذا الإجراء مدان وأنا کنت أول من أدان هذا الحادث رسمياً، بعد وقوعه بساعات".
وفيما لفت إلى أن السعودية أخفقت في تنفيذ برامجها في المنطقة، فقد اعتبر أنها "تسعی إلی تغطية هذه الإخفاقات". وقال إن المملكة "تشن عدواناً علی اليمن، منذ عشرة أشهر، من دون أن تحصد شيئاً، کذلك لم تحقق أياً من أهدافها في العراق وسوريا ولبنان". وأضاف: "نرفض استمرار الأزمة مع السعودية، ونعلم أن افتعال أزمة جديدة سيزيد من تعقيد الأوضاع"، مؤكداً أن "استتباب الأمن في المنطقة يخدم مصلحة إيران والسعودية"، ومشدداً على "ضرورة إرساء أسس الأمن والاستقرار في العراق وسوريا وطرد الإرهابيين من المنطقة".
واعتبر روحاني أن "المشكلة الرئيسية التي تعاني منها المنطقة هي داعش وظاهرة العنف والإرهاب والحرب الإقليمية بين السعودية واليمن"، مشدداً علی ضرورة وقفها، معلناً بذلك رغبة إيران في تسوية هذه الأزمات والاهتمام بالقضايا الرئيسية في المنطقة.
ويرافق روحاني، في جولته الأوروبية، وفد من مئات رجال الاقتصاد بالإضافة إلى وزراء الخارجية والنفط والنقل والصناعة والصحة. ويتطلع الوفد إلى إبرام صفقات مع تهافت قطاع الصناعة والهندسة الأوروبي على السوق الإيرانية مع انفتاحها بعد رفع العقوبات عنها، مع بدء تنفيذ الاتفاق النووي المبرم في تموز الماضي.
ومن المتوقع أن تشهد زيارة روحاني لباريس توقيع عقود تجارية مهمة، على غرار ما حصل في روما، حيث وُقِّع 15 اتفاقاً بقيمة تراوح بين 15 و17 مليار دولار. وحتى قبل وصول روحاني إلى فرنسا، أعلن وزير النقل الإيراني عباس اخوندي، الأحد، أنه سيُوقَّع اتفاق لشراء 114 طائرة "ايرباص" خلال زيارة الرئيس الإيراني لفرنسا. كذلك سيوقع روحاني اتفاقاً يسمح بعودة شركة "بيجو" الفرنسية لصناعة السيارات، إلى إيران بالشراكة مع شركة "خودرو" الإيرانية لصناعة السيارات، بحسب مصدر في الحكومة الفرنسية. وبموجب الاتفاق ستنتج "بيجو" 200 ألف سيارة سنوياً، ابتداءً من عام 2017، فقد كانت إيران ثاني أكبر سوق لـ"بيجو" بعد فرنسا، عندما انسحبت "بيجو" من إيران في عام 2012، تحت ضغط العقوبات الغربية بسبب برنامج إيران النووي. وتردّد، كذلك، أن شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال" ترغب في شراء النفط الخام الإيراني. كذلك سيجري روحاني محادثات مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، وسيعقدان مؤتمراً صحافياً مشتركاً يتوقع أن يتطرق إلى الخلاف المرير بين إيران والسعودية.
(الأخبار، أ ف ب)