تدور حربٌ، لم تَعُد خفيّة، بين الرئيس الأميركي جو بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حول أسعار النفط، يسعى من خلالها الثاني للتأثير على فرص الديمقراطيين في الفوز في الانتخابات النصفية في خريف 2022، وإجبار الأوّل على التعامل معه مباشرة، والتسليم به ملكاً للسعودية بعد وفاة والده الملك سلمان. في المقابل، لا يزال بايدن متحفّظاً في المواجهة، التي لم يشهر فيها إلى الآن، من أسلحته، سوى استدعاء المنشقّ سعد الجبري قبل أسابيع، ليتّهم ابن سلمان بالتصريح برغبته في اغتيال الملك الراحل عبدالله، بخاتم مسموم يحصل عليه من روسيا
قبل أيّام، نقل الكاتب السعودي علي الشهابي، المقرّب من ولي العهد محمد بن سلمان، في تغريدة له على «تويتر»، مقالة لصحيفة «فايننشال تايمز» تقول إن ارتفاع أسعار النفط هو تذكير آخر بأن ابن سلمان لديه وسائل يستخدمها ضدّ الرئيس الأميركي جو بايدن. وقبل ذلك، غرّد الكاتب نفسه بأنه «إذا أراد بايدن معروفاً ما، فهو يعرف رقم الشخص الذي يتعيّن عليه الاتصال به»، في إشارة إلى وليّ العهد. من جهته، كان بايدن قد اتّهم السعوديين بالتلاعب بأسعار النفط، حين قال إن ارتفاعها يحصل «بمبادرة سياسية من جهة خارجية معيّنة»، مضيفاً أن «العديد من الأشخاص في الشرق الأوسط يريدون التحدّث إليّ، لكنّني لست واثقاً من أنّني سأتحدث إليهم»، في تلميح أيضاً إلى ابن سلمان الذي يرفص الرئيس الأميركي التعامل معه شخصياً على خلفية قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
هذه علامات تؤكد أن المواجهة بين الرجلين مفتوحة، بل صارت شبه علنية، وإن كانت لا تزال تدور بالرموز. مواجهةٌ يستخدم فيها ولي العهد السعودي سلاح النفط بقرار واعٍ، على رغم أنه من غير المنصف حصر ارتفاع الأسعار بعامل واحد، هو إرادة ابن سلمان. فالصعود ذاته، سببه عوامل السوق المُعبَّر عنها بالعرض والطلب، وأساسها بدء الخروج من الكبوة التي تسبّب بها للاقتصاد العالمي وباء «كورونا»، والتي ترافقت مع تدنّي الاستثمار في الإنتاج، بحيث إنه عندما ارتفع مستوى الطلب، لم يستطع مستوى الإنتاج مجاراته. لكنّ ولي العهد السعودي يستطيع، إذا أراد، الضغط في «أوبك بلس» لزيادة الإنتاج، وبالتالي خفض الأسعار. وللتأكيد، فهو كان قد استجاب عام 2018، عندما طلب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، فعل أمر مماثل، عشية الانتخابات النصفية حينها، بهدف خدمة المرشّحين الجمهوريين. كان ذلك بعد أسابيع من اغتيال خاشقجي، وتقديم المديرة السابقة لوكالة «سي آي إي»، جينا هاسبل، تقريراً سرّياً إلى الكونغرس يفيد بأن ابن سلمان هو مَن أمر بقتل الصحافي السعودي، لكنّ ترامب رفض الكشف عن التقرير، وتبجّح لاحقاً بالقول إنه أنقذ «مؤخّرة ابن سلمان»، ليقوم بايدن برفع السرّية عن التقرير بعد أقلّ من شهر على تولّيه الرئاسة، ويقرّر عدم التعامل شخصياً مع وليّ العهد. اليوم، ومن خلال الامتناع عن ضخّ المزيد من النفط، يسعى ابن سلمان للانتقام من الديمقراطيين عموماً وبايدن خصوصاً، عبر تأليب الرأي العام الأميركي عليهم بسبب ارتفاع أسعار الوقود، ومعها أسعار السلع الاستهلاكية، على أمل التأثير على فرصهم في الفوز في الانتخابات النصفية في خريف 2022. وفي انتظار تلك الانتخابات، يبدو أن عملية التأليب هذه تؤتي أُكُلها، حيث تقبع نسبة تأييد بايدن - بسبب منها - عند أدنى مستوياتها منذ تسلّمه الرئاسة، بعد أن ارتفعت أسعار المستهلكين في تشرين الأول الماضي بنسبة 6.2% على أساس سنوي، في أكبر قفزة من نوعها منذ ثلاثة عقود.
يسعى ابن سلمان للانتقام من الديمقراطيين عموماً وبايدن خصوصاً، عبر تأليب الرأي العام الأميركي عليهم


إزاء ذلك، لن تكون معركة بايدن سهلة، لأن المسألة لا تقتصر على ابن سلمان، بل تشمل حلفاء مباشرين وآخرين موضوعيين للأخير في مهمّته. في الفئة الأولى، لديه روسيا التي سعى رئيسها فلاديمير بوتين طويلاً لإقامة مثل هذا الحلف النفطي المتجسّد حالياً في «أوبك بلس»، في حين أن إيران تعتقد، هي الأخرى، أن أسعار النفط، حتى عند المستوى الحالي، متهاودة، نظراً إلى أهمية هذه السلعة للاقتصاد العالمي. لكن الأساس هو أن ولي العهد السعودي يحظى بدعم داخلي أميركي من الجمهوريين الذين بدأوا بالفعل استغلالاً سياسياً للتضخّم الحاصل في بلادهم، باعتبار أن الحال الاقتصادية للبلد، وخاصة إذا انعكست مباشرة على جيوب الناس، مثلما يحدث عند ارتفاع أسعار الوقود، تمثّل أحد أكثر العوامل أهمية التي تؤخذ في الاعتبار عند التصويت. كذلك، تلائم أسعار النفط العالية الشركات النفطية التي هاجمها بايدن أخيراً متّهماً إياها بانتهاك القانون، علماً أن هذه الشركات حقّقت أرباحاً طائلة في الأشهر الأخيرة، بعد أن مُنيت بخسائر كبرى في العامين الماضيين خلال أزمة «كورونا»، حيث وصلت أسعار الخام إلى ناقص 37 دولاراً في نيسان 2020. ويعتمد ولي العهد، أيضاً، على نفوذ إسرائيل في أميركا، حيث يبدو أنه عاد إلى تدفئة العلاقات غير المباشرة مع العدو. ولعلّ من الشواهد على ما تَقدّم، تجوال الحاخام الإسرائيلي الأميركي، جاكوب هيرتزوغ، في شوارع العاصمة السعودية ومشاركته في «موسم الرياض».
في المقابل، يملك بايدن عدداً من الخيارات الاقتصادية، من بينها حثّ قوى أخرى متضرّرة من أسعار النفط المرتفعة، مثل الصين والهند واليابان ودول أوروبا، على السحب من مخزوناتها الاستراتيجية، وهو ما ناقشه أخيراً في قمّة افتراضية مع نظيره الصيني تشي جينبينغ (بدأت بكين بالفعل السحب من احتياطاتها الاستراتيجية)، لكنّ تقديرات الاقتصاديين تفيد بأن هذا التكتيك لن يكون له أكثر من أثر محدود، خصوصاً أن المخزونات الأميركية البالغة 606 ملايين برميل حالياً، تغطّي الاستهلاك الداخلي الأميركي لمدّة شهر واحد، وبالتالي فإن السحب منها يمكن أن يؤدّي إلى عودة الصعود بشكل أكثر حدّة عند إعادة بنائها. أمّا الخيارات الأخرى المتوافرة لدى الرئيس الأميركي، فهي وقف تصدير الخام الأميركي إلى الخارج، وفرض عقوبات على دول «أوبك بلس»، وسيناريو ثالث قد يكون أكثر نجاعة، يتمثّل في إشهار أوراق ضغط إضافية بوجه السعودية، من وزن ظهور المنشقّ سعد الجبري في برنامج «60 دقيقة» على قناة «سي بي أس» الأميركية، حيث كشف عن تبجّح ابن سلمان أمام وليّ العهد السابق محمد بن نايف، برغبته في اغتيال الملك الراحل عبدالله بخاتم مسموم يجلبه من روسيا.
تبقى قضية ما إن كان بايدن سيصعّد ضدّ ابن سلمان بشكل فوري أم سينتظر ظرفاً ملائماً، مثل وفاة الملك سلمان، مرهونة باتجاه الأسعار، خاصة أن «أوبك بلس» ستزيد الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يومياً اعتباراً من كانون الأول المقبل، في حين تباطأ الطلب في الأيام الماضية، ما دفع الأسعار إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل، ولَربّما تقوم الموجة الرابعة من وباء «كورونا» ببقيّة المهمّة نيابة عن بايدن. وحينها، سيكون ابن سلمان، مجدّداً، مجرَّداً من سلاح النفط.