«إذا كانت انتخابات يوم الثلاثاء هي أولى القراءات الملموسة للأوضاع السياسية، منذ أن أصبح جو بايدن رئيساً، فهي تعني أن الديموقراطيّين يتّجهون مباشرة نحو إعصار» - ستيفن شيبارد وديفيد سايدرز في موقع «بوليتيكو». «لم يستطع الرعد المهدِّد أن يعلو أكثر في وجه الديموقراطيين» - ليزا ليرر في صحيفة «ذي نيويورك تايمز». ليس من قبيل الصدفة أن يشبّه أحدهم ما تعرّض له الديموقراطيون من هزيمة في ولاية فرجينيا بـ«الإعصار»، بينما ارتأى الآخر وصفه بـ«الرعد»، على اعتبار أن ما حصل ستُسمع تردّداته، على المدى القصير، في الانتخابات النصفية التي ستجرى في عام 2022. إذاً، هو «الذعر الديموقراطي يتصاعد، بينما تكشف خسارة فيرجينيا عن ضعف الحزب»، على حدّ تعبير ليرر، التي رأت أنه «بعد أقلّ من عام على تولّيه السلطة في واشنطن، يواجه الحزب الديموقراطي مستقبلاً قاتماً فورياً، ويكافح من أجل تنشيط الناخبين، من دون الوصول إلى إحباط رئاسي، فيما يخسر حروب الرسائل للجمهوريين».الخسارة التي تنذر بها ليرر، وزملاؤها في وسائل إعلامية أخرى، تنطلق من واقع أن قلّة من أعضاء الحزب الديموقراطي لديهم آمال كبيرة في أن تستمرّ فترة حكمهم في واشنطن، إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي، وربّما إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، عام 2024. فعودة ظهور الجمهوريين في ولاية فرجينيا - حيث فاز الرئيس جو بايدن بنسبة 10 نقاط مئوية، العام الماضي - والقوّة المفاجئة التي أبرزوها في ولاية نيوجيرسي الزرقاء، تجلّيان إشارة حيّة إلى تجمّع سحَب العاصفة، بينما ينظر الديموقراطيون بحذر إلى الأفق. وبعدما استحوذ هذا الحزب، لمدّة خمس سنوات، على نسبة الإقبال التي حطّمت الأرقام القياسية للفوز، والتي غذّاها ناخبون هدفهم إسقاط رئيسٍ رأوا أنّه غير كفء، أو مثير للانقسام، أو حتّى أسوأ من ذلك، جاءت نتائج الانتخابات التي جرت الثلاثاء، لتُظهر حدود سياستهم هذه، بالتوازي مع فشلهم في الوفاء بالعديد من أكبر وعودهم في الحملة الانتخابية، والغضب المستمرّ من الوباء الذي حوّل المدارس إلى إحدى أكبر ساحات المعارك السياسية الخلافية.
ففي ولاية فرجينيا، تعرّض المرشّح الديموقراطي لمنصب الحاكم، تيري ماكوليف، للهزيمة بسهولة نسبية، من قِبَل غلين يونغكين، أحد المدراء التنفيذيين الجمهوريين، والوافد الجديد إلى عالم السياسة. أمّا في نيوجيرسي، فقد واجه الحاكم فيل مورفي، وهو ديموقراطي، سباقاً متقارِباً جدّاً. ولعلّ أكثر ما يلفت الانتباه، هو أن الانتكاسات الساحقة التي تعرّض لها الديموقراطيون في ضواحي فرجينيا ونيوجيرسي، الكثيرة الضواحي، أشارت إلى ردّ فعل عنيف من المحافظين تجاه الأعراف المتغيّرة بشأن العرق، حيث سعى الجمهوريون، بلا هوادة، إلى تحويل المدارس إلى الجبهة التالية في الحروب الثقافية التي تشهدها البلاد. وتوازى ذلك مع إنذارات من أن موجة الطاقة المناهِضة لترامب، التي حملت الديموقراطيين إلى السلطة، قد تحوّلت إلى حالة من اللامبالاة، لدى قاعدة سئمت الاحتجاج، خصوصاً في ظلّ عدم عودة الحياة إلى طبيعتها التي كانت قبل انتشار وباء «كوفيد - 19».
في الأيام المقبلة، سيمتدّ صدى مخاوف الديموقراطيين واتّهاماتهم المتبادلة بشأن خسارة الحزب في المناطق المتأرجِحة، إلى المناطق التي كانت تُعتبر في يوم من الأيام أكثر أماناً للحزب. على أن الحدّ الأدنى الواضح الآن بالنسبة إلى الديموقراطيين، هو أن «الضواحي تتأرجح لغير صالحهم». وهو ما كانت أعدّت له حملة يونغكين، التي لم تخفِ خططها لاستهداف ضواحي فيرجينيا الغنيّة بالأصوات، مقتنعة بأن جمهوريّاً واحداً يمكنه استعادة بعض الدعم الذي فقده الحزب في عهد دونالد ترامب، الأمر الذي ثبتت صحّته بالفعل، على الرغم من أن المقاطعات المحيطة بواشنطن وريتشموند، لا تزال زرقاء على الخريطة الانتخابية. في المحصّلة، قلّص يونغكين هوامش مكوليف في أماكن مثل مقاطعة لودون، كما خسر 10 نقاط في المكان الذي خسر فيه ترامب بفارق 25 نقطة، العام الماضي. وفاز أيضاً بنسبة 35 في المئة من الأصوات في مقاطعة فيرفاكس، التي تعدّ الأكثر اكتظاظاً بالسكّان في الولاية، وهي نسبة تعدّ تحسّناً كبيراً بالنسبة إلى الحزب الجمهوري، عن 28 في المئة حصل عليها ترامب، والمرشّح لمنصب الحاكم في عام 2017، إد غيليسبي، الذي حصل حينها على نسبة 31 في المئة. بمعنى آخر، توصّل الحزب الجمهوري، بعد نزيف النساء والناخبين المستقلّين خلال عهد ترامب، إلى واقع تفوّق يونغكين في الأداء إزاء المستقلّين، وتحسينه من موقف الحزب بشكل كبير بخصوص النساء. وبعيداً عن مجرّد إصرار ترامب على أنه لعب دوراً في الفوز، فقد ظهر أنه بإمكان الجمهوري أن يجمع ائتلافاً أوسع من الناخبين ذوي الميول اليمينية، الذين ربّما احتقروا الرئيس السابق، لكنهم باتوا على استعداد لنسيان الأمر.
على الجهة المقابِلة، يواصل المرشّحون الديموقراطيون الانحدار إلى مستويات متدنّية جديدة في المناطق الريفية، خصوصاً بين الناخبين البيض. وجاء ذلك بعدما أمضى مكوليف حملته، بالكامل، في ربط يونغكين بترامب، كما ضرب بشدّة على وتر الوباء. ومِثل العديد من الديموقراطيين، كان يعتقد بأن حظر الإجهاض في تكساس، سيُخرج الناخبين الديموقراطيين ويدفعهم إلى صناديق الاقتراع. ولكن كثيرين يرون العكس، وهو أن هناك ارتباطاً مباشِراً بين خسارة ماكوليف ونسبة شعبية بايدن، لا سيّما أنه منذ تدهور هذه الأخيرة، ضاقت نسَب تقدّم ماكوليف في استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات. وهو ما ساهمت فيه عرقلة تمرير أجندة بايدن الطموحة المتعلّقة بالبنية التحتية، والتي تقدّر قيمتها بعدة تريليونات من الدولارات، فضلاً عن أن الاقتتال الداخلي بين تيّارات الحزب الديموقراطي، خصوصاً بين الأعضاء التقدّميين والغالبية التقليدية، أظهر مدى التخبّط الذي أبعد العديد من الناخبين عن الحزب.