غلاسكو | تَفتتح قمّة المناخ العالمية الـ26 أعمالها غداً في غلاسكو (سكوتلاندا)، على وقع مؤشّرات بالغة السلبية، خصوصاً لناحية مستوى مشاركة الدول فيها، مع أنها تُعدّ الأهمّ بعد «اتفاقية باريس» عام 2015، وتأتي إثر تعثّر انعقادها العام الماضي، بسبب تفشّي «كوفيد - 19»، فضلاً عن كونها الأولى في أعقاب البدء بتنفيذ الاتفاقية المذكورة عام 2020. وتَبيّن، بحسب آخر إحصاء، أمس، أن 68 رئيس دولة و62 رئيس حكومة فقط سيشاركون في القمّة، من أصل 192 دولة وقّعت على «اتفاقية باريس المناخية» (ثلاث دول لم تصادق عليها بعد، هي ليبيا واليمن وإريتريا). ويبدو أن الغياب الأكبر، ولا سيّما بين الدول العشر الكبرى الأكثر تسبّباً بالانبعاثات العالمية، سيكون للصين وروسيا، في وقت يشهد فيه المؤتمر عودة قوية للولايات المتحدة الأميركية، عبر حضورها الرئاسي وزيادة تعهّداتها بخفض الانبعاثات. والجدير ذكره، هنا، أن آخر دراسة للأمم المتحدة عائدة إلى عام 2018، تُظهر أن ترتيب الدول لناحية انبعاثاتها العالمية، هو على الشكل التالي: الصين (26%)، الولايات المتحدة (12،7%)، الاتحاد الأوروبي (7،5%)، الهند (7،08%)، روسيا (5،4%)، اليابان (2،5%)، البرازيل (2،2%)، إندونيسيا (2،03%)، إيران (1،75%) وكندا (1،52%).وعلى رغم أن ضعف التمثيل لا يعني الغياب أو المقاطعة، إذ يمكن أن يكون على مستوى الوزراء، أو الفرق الفنّية، إلّا أن الخلاف المستمرّ بين الدول المعنيّة لا يوحي بنجاح المفاوضات التي سبقت القمّة. وكنموذج من ذلك، فقد فشل رئيس «COP 26»، وزير الأعمال السابق في الحكومة البريطانية، ألوك شارما، في إقناع رؤساء الدول، ولا سيّما الغنية والمتقدّمة منها، برفد صندوق المناخ بـ100 مليار دولار سنوياً، وفقاً لما نصّت عليه «اتفاقية باريس»، إذ لم ينجح في تأمين هذا المبلغ لعام 2022، بينما حصل على وعود بشأن عام 2023، كما أُعلن، ما يعني تأخّراً لثلاث سنوات عن البدء بتطبيق الاتفاقية. أمّا الفضيحة الكبرى، فتتّصل بمدى التزام الدول بخفض انبعاثاتها، كي لا تتجاوز زيادة حرارة الأرض 1،5 درجة مئوية، حيث لا يزال المعنيّون يتبنّون سياسات تعتمد على الطاقة الأحفورية، بشكل كبير، على الرغم من إعلانهم زيادة الاستثمار في الطاقات النظيفة والمتجدّدة.
على جدول أعمال القمة بند تاريخي يتعلّق بطُرق احتساب الكربون وتسعيره وبيعه


وتشغل جدول أعمال قمّة غلاسكو، ستّة بنود رئيسة، هي:
1- كيفية تنفيذ التعهّد بالوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050، مع العلم أن آخر تقرير للهيئة الحكومية المعنيّة بتغيّر المناخ، أشار إلى زيادة درجة حرارة الأرض 1،1 درجة، حتى الآن.
2- يريد الأمين العام للأمم المتحدة الحصول على تعهّدٍ بوقف استخدام الفحم الحجري، من دون تحديد مهل زمنية، خوفاً من استفزاز الدول الناشئة، وتلك النامية، التي تطالب بمدى أطول للتخلّي عن الفحم، وتخفيف الانبعاثات.
3- يتركّز البحث حول حماية الغابات، كإجراء مهمّ لحبس الكربون طبيعياً، في ظلّ استمرار الخلاف على كيفية التعويض على الدول الغنية بالغابات، مثل البرازيل التي لا تزال تحتاج إلى اقتلاع الأشجار لأهداف زراعية وتنموية، مع الإشارة إلى أن حرائق الغابات حقّقت، هذا العام، أرقاماً قياسية في كلّ أنحاء العالم تقريباً، ما زاد في الانبعاثات بشكل غير مسبوق، وأدّى إلى خسارة كبيرة في بواليع الكربون.
4- على الجدول أيضاً بند تاريخي، منذ إبرام «بروتوكول كيوتو» عام 1997، يتعلّق بطُرق احتساب الكربون وتسعيره وبيعه.
5- قضايا التكيّف ومطالب الدول النامية، بالإضافة إلى كيفية حماية الأنظمة الإيكولوجية، وكيفية اعتماد نظام الإنذار المبكر للكوارث المقبلة، من حرائق ومتساقطات متطرّفة وفيضانات...
6- الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة، ونقل التكنولوجيا.
ولا يعتمد نجاح قمة غلاسكو، على مدى الالتزام بتطبيق «اتفاقية باريس»، لأن هذه الأخيرة نفسها لم تكن طموحة، ولا ملزمة في قراراتها، وهي لم تنجح في أن تكون عالمية أو أن تُرضي البلدان المتقدّمة والنامية معاً، إلا عندما خفّضت سقف التوقّعات والالتزامات إلى الحدود الدنيا، ما جعلها غير ذات جدوى لحلّ مشكلة تغيّر المناخ. ولذلك، يتركّز النقاش في غلاسكو حول ما يسمّى «المساهمات المحدّدة وطنياً»، أي أن تحدّد كلّ دولة مدى مساهمتها في خفض الانبعاثات، من دون سقف موحّد ومن دون وجود أيّ آلية دولية للتحقّق من هذه التخفيضات. وانطلاقاً من هذا الواقع، لن يكون مفيداً ترقّب كلمات رؤساء الدول في جلسات الافتتاح، كونها لن تخرج عن الإطار الدبلوماسي وعن إطلاق الوعود، التي سُمع منها الكثير منذ انعقاد «قمّة الأرض» في الريو عام 1992، تاريخ إبرام أوّل اتفاقية إطارية لتغيّر المناخ. ومن هنا، يمكن الاستنتاج، أن الاندفاعة التي ظهرت، أخيراً، لدى الحكومة البريطانية لإنجاح «COP 26»، لن تكون مجدية، خصوصاً إذا كانت لندن لا تزال تراهن على إنشاء منجم فحم عميق جديد في مقاطعة كمبريا، ومنح الضوء الأخضر لعمليات تنقيب جديدة عن النفط في بحر الشمال، وزيادة تمويل مشاريع استخراج الوقود الأحفوري... بل ستكون شبيهة بتلك الاندفاعة الرسمية الفرنسية منذ ستة أعوام، حين أُبرمت «اتفاقية باريس»، وبدأت فرنسا على إثرها إجراءات التخفيف من الانبعاثات، عبر رفع الضريبة على المحروقات، الأمر الذي لاقى اعتراضات مجموعات «السترات الصفر»، بشعار: «ما يهمّنا نهاية الشهر، وليس نهاية العالم».