إضافة إلى التحديات الكثيرة التي باتت تشكِّل معاً بداية حكم «طالبان» المتعثّر، يحضر التحدّي الأمني باعتباره أخطرها على حاضر الحركة ومستقبلها. وفي حين تسعى السلطات الجديدة إلى التهوين من شأن تزايد نشاط تنظيم «داعش» في مختلف المناطق الأفغانية، وآخرها في قندهار، معقل الحركة التاريخي، فهي تعتقد أن نيْلها اعترافاً دولياً سيسهّل عليها مهمّاتها، فضلاً عن أنه سيقوّي مكانتها في مجتمع تملؤه التناقضات. لهذا، تشتغل قيادات «طالبان» على فتح قنوات اتصال مع مختلف الدول الفاعلة في الملفّ الأفغاني، علّها تجد سبيلاً يخفّف عنها الأعباء المتراكمة
تشكِّل الضربات المتتالية لتنظيم «داعش» في أفغانستان، قلقاً متزايداً لحركة «طالبان» التي مضى شهران على إحكام قبضتها على البلاد، وسط غياب أيّ مؤشّر إلى وجود رؤية لدى قياداتها لِلَجم التدهور الآخذ في التمدُّد، خصوصاً على المستويَيْن الأمني والمعيشي. ولا يبدو أن ثمّة سبيلاً أمام السلطة الجديدة سوى نيل الدعم الإقليمي والدولي، كمقدّمة لكسب اعترافٍ ما بشرعيّتها، وهو ما تبيّنه تحرّكات «طالبان» الأخيرة، بدءاً باللقاءات التي جمعتها إلى وفدَين أميركي وآخر أوروبي في العاصمة القطرية، الدوحة، إلى المحادثات السياسية التي أجرتها في كلٍّ من تركيا وأوزباكستان، على أن تُستكمل في العاصمة الروسية موسكو.
ولا يبدو أن احتواء جبهة المعارضة في بانشير، والسيطرة على عاصمة الولاية بازاراك، أزاحا الكثير من على مائدة «طالبان». فمهامّ الحركة المثقلة بتحدّيات من النوع الذي لم تَخبره في السابق، باتت تتعدّى حرب الشوارع، بعدما قرَّرت اقتناص فرصة انسحاب القوات الأجنبية لإحكام سيطرتها على طول الجغرافيا الأفغانية، ولاحقاً الكشف عن تشكيلة حكومية موقّتة، برئاسة الملّا حسن أخوند، لاقت انتقادات واسعة، داخلياً وخارجياً، لاقتصارها على وجوه «حركية»، بينما كان الحديث يدور حول تشكيلة تجمع الإثنيات والأعراق المختلفة. ويضاف إلى الواقع السياسي المعقَّد، خطرٌ أمني داهم من شأن تفاقُمِه أن يهزّ أعمدة الحكم «الطالباني» المبتدئ، وإنْ كانت قيادات الحركة تعمل على التهوين من وقعه، عبر إشاعة «أجواء إيجابية»، كالقول مثلاً إن الفرع المحلّي من تنظيم «داعش» لا يشكِّل «تهديداً حقيقيّاً في أفغانستان»، وإن لديها القدرة على مجابهته منفردةً، ردّاً على دعوات الولايات المتحدة للتنسيق استخباريّاً في مسألة «مكافحة الإرهاب».
يضاف إلى الواقع السياسي المعقَّد، خطرٌ أمني داهم من شأن تفاقُمِه أن يهزّ أعمدة الحكم «الطالباني» المبتدئ


وتجيء هذه «التطمينات» في موازاة ازدياد نشاط التنظيم، الذي ضرب انتحاريّوه، الجمعة، داخل أكبر مسجد للشيعة في قندهار (جنوب)، في تفجيرات راح ضحيّتها ما يزيد على 40 شخصاً. والتفجير الأوّل من نوعه في هذه المدينة التي تُعدّ معقل حركة «طالبان»، والرابع الذي يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا منذ سيطرة الحركة على كابول، جاء بعد أسبوع واحد من هجوم مماثل تبنّاه «داعش - خراسان»، واستهدف مسجداً في منطقة خان آباد في ولاية قندوز (شمال)، قتل فيه 80 شخصاً. وعلى هذه الخلفية، ما كان من «طالبان» إلّا دعوة «المجتمع الدولي» إلى «تحمُّل مسؤولياته تجاه أفغانستان بالاعتراف بالنظام فيها»، وفق ما جاء على لسان الناطق باسم المكتب السياسي للحركة، محمد نعيم، الذي رأى أن «هذا الاعتراف سيُقوّي النظام ويساعده على مواجهة المشاكل الداخلية».
ويحضر القلق الأمني الذي من شأنه إظهار «طالبان» في موقع ضعيف، في موازاة مساعي قياداتها إلى فتح قنوات اتصال مع الدول الفاعلة في الملفّ الأفغاني. وفي هذا الإطار، استقبل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، نظيره في حكومة «طالبان»، أمير خان متقي، الخميس الماضي، في أعقاب محادثات أجراها هذا الأخير مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين في الدوحة، وحذّر خلالها من أن العقوبات الغربية على حركته «تهدِّد بتقويض الأمن في أفغانستان أكثر». من جهته، قال الوزير التركي إن بلاده أبلغت «المجتمع الدولي بأهميّة الانخراط مع إدارة طالبان الحالية... في الواقع، يختلف الاعتراف عن الانخراط»، مضيفاً: «على الاقتصاد الأفغاني ألّا ينهار، لذا قلنا إن على الدول التي جمّدت حسابات أفغانستان في الخارج، التصرّف بمرونة أكبر ليتسنّى دفع الرواتب». كما أكد لوفد «طالبان» ضرورة أن تحتضن الحركة جميع فئات الشعب الأفغاني، من أجل وحدة وسلامة بلادها. وإلى تركيا، زار ممثّلو حكومة «طالبان»، السبت، أوزبكستان المجاورة لإجراء محادثات تُجنّب البلاد كارثة إنسانية. وتناولت المحادثات التي ترأّسها نائب رئيس الوزراء الأفغاني عبد السلام حنفي، وفق وزارة الخارجية الأوزبكية، «قضايا التجارة والتبادل الاقتصادي وضمان أمن الحدود والتعاون في مجال الطاقة والنقل والترانزيت».
وفي السياق نفسه، أعلن موفد الكرملين الخاص بالملفّ الأفغاني، زامير كابولوف، أن موسكو ستستضيف، اليوم الثلاثاء، محادثات للترويكا الموسّعة التي تشارك فيها روسيا والولايات المتحدة والصين وباكستان، و«سنحاول التوصل إلى موقف مشترك في شأن الوضع المتقلّب في أفغانستان»، فيما لفتت وزارة الخارجية الروسية إلى أنها تترقّب وصول وفد عن حركة «طالبان» إلى موسكو للمشاركة في الجولة الثالثة من المباحثات الأفغانية، والتي تندرج في إطار ما يُعرف بـ«صيغة موسكو»، بحسب الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا. وأوضحت زاخاروفا أن المباحثات ستركّز على زيادة الدعم الدولي لأفغانستان، من خلال تفادي وقوع أزمة إنسانية في أعقاب سيطرة «طالبان» على مقاليد السلطة في البلاد منتصف آب الماضي.