في ضوء المحادثات التي عُقدت، يومَي السبت والأحد، بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان»، سعى الجانب الأميركي إلى انتزاع اتّفاق للتنسيق الأمني مع سلطات كابول الجديدة، يمكّن واشنطن من مواصلة حربها على الإرهاب بصيغة أقلّ إرباكاً لجنودها، أي عبر هجمات جوية موجّهة ضدّ «أهداف» تابعة لتنظيم «داعش»، الذي استعاد نشاطه في موازاة انسحاب القوات الدولية من أفغانستان. وفي حين لا يزال ماثلاً اعتراف الولايات المتحدة المتأخِّر، بتسبُّب غارة نفّذتها قوّاتها قرب مطار كابول، نهاية آب الماضي، بمقتل عشرة مدنيين بينهم سبعة أطفال، ظنّاً منها بأن السيارة المستهدَفة كانت تقلّ «إرهابيين يشكّلون تهديداً وشيكاً»، بدّدت سلطات «طالبان» آمال الأميركيين برفضها التنسيق استخبارياً معهم ولا سيما أنها قادرة، وفق زعمها، على مواجهة التنظيم منفردةً من دون التعاون مع جهات خارجية.الاجتماعات التي التأمت في العاصمة القطرية، الدوحة، على مدى يومين، بحضور مسؤولين أميركيين وآخرين من «طالبان»، تُعدّ الأولى من نوعها منذ استعادة الحركة سيطرتها على الحُكم في أفغانستان، في موازاة انهيار حكومة كابول وقوات الأمن التابعة لها، منتصف آب الماضي. وفي هذا الإطار، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن ديفيد كوهين، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، «سي آي إيه»، ترأّس الوفد الأميركي الذي ضمّ أيضاً نائب مبعوث وزير الخارجية إلى أفغانستان، وممثلاً عن «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». اختيار هذه الوكالات لتمثيل الوفد الأميركي الذي غاب عنه المبعوث الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، جاء «بقصْد خوض مناقشات تتعلّق بالإرهاب»، وفق ما أوردت الصحيفة نفسها.
ركّزت المحادثات خصوصاً على المخاوف الأمنيّة والإرهابية والممرّ الآمن للمواطنين الأميركيين وغيرهم من الرعايا

وهو ما أكدته وزارة الخارجية الأميركية على لسان الناطق باسمها، نيد برايس، بقولها إن المحادثات التي وصفها بـ«الصريحة والمهنية»، ركّزت خصوصاً على «المخاوف الأمنيّة والإرهابية والممرّ الآمن للمواطنين الأميركيين وغيرهم من الرعايا الأجانب وشركائنا الأفغان»، كما تطرّقت أيضاً إلى «حقوق الإنسان، بما في ذلك المشاركة الفعّالة للنساء والفتيات في جميع المجالات في المجتمع الأفغاني». وفيما كرّر المسؤولون الأميركيون أنه سيتمّ الحُكم على «طالبان» من خلال أفعالها وليس أقوالها، وصف الناطق باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، محادثات الدوحة بأنها «مثمرة»، موضحاً أنها «سارت على ما يرام»، بعدما وافقت واشنطن على تقديم مساعدات إنسانية لأفغانستان ليست مرتبطة على أيّ حال بالاعتراف الرسمي بـ«طالبان»، أو مقدّمة له، وفق وزارة الخارجية الأميركية التي لفتت إلى أن «مناقشات مستفيضة جرت في الاجتماع وتناولت كلّ القضايا ذات الصلة»، وأنه «لا بدّ من بذل الجهد لاستعادة العلاقات الدبلوماسية إلى وضع أفضل».
وأوردت وسائل الإعلام أن الوفد الأميركي قدّم مقترحاً للجانب الأفغاني الذي يقوده وزير الخارجية بالوكالة، أمير خان متقي، يتعلّق بإيجاد صيغة للتنسيق الاستخباري بين الجانبين، وإمكانية استخدام قواعد أميركية في المنطقة لتوجيه ضربات ضدّ تنظيم «داعش»، في ضوء تصاعد هجماته، وآخرها التفجير الذي استهدف، الجمعة الماضي، مسجداً لأقلّية الهزارة في ولاية قندوز. إلّا أن الناطق باسم المكتب السياسي لـ«طالبان»، سهيل شاهين، أكد لوكالة «أسوشيتد برس» أن الحركة قادرة على مواجهة التنظيم بمفردها من دون تعاون مع واشنطن. وفي سياق متّصل، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن، قولهم، إن الوفد الأميركي سيضغط على «طالبان» للإفراج عن المواطن الأميركي المختطَف، مارك فريريتشز، وإلزام الحركة بتعهّدها السابق عدمَ السماح باستخدام أفغانستان منطلقاً لاستهداف أيّ دولة أخرى.