طهران | طيلة العقود الأربعة الماضية، تَمثّل أحد أبرز الهواجس الأمنية الإيرانية في تحرّكات المجموعات الانفصالية، وبشكل رئيس في المحافظات الكردية غربي إيران (أذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه)، المتاخمة لإقليم «كردستان العراق». وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين زعامات الإقليم والجمهورية الإسلامية، إلّا أن القوى الكردية الإيرانية المعارِضة لا تزال تتّخذ من هذه المنطقة معقِلاً لها ومنطلقاً لتنفيذ عملياتها. وتفيد التقارير المختلفة بأن أربعة أحزاب كردية إيرانية، هي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (حدك)، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» (حدكا)، و«كوملة» (منظّمة كردستان - فرع الحزب الشيوعي الإيراني)، وحزب «الحياة الحرّة الكردستاني» (بيجاك)، تملك مقرّات في «كردستان العراق». وقد نشرت هذه الأحزاب جزءاً من قوّاتها في المرتفعات الحدودية الواقعة بين الإقليم ومدينتَي بيرانشهر واشنوية الإيرانيتَين. وإذ تصف طهران هذه المجموعات بـ«الإرهابية»، وتتّهمها بتنفيذ عمليات مسلّحة ضدّ قوات الحدود داخل الأراضي الإيرانية، فهي تسعى إلى محاصرة خلاياها التنظيمية والمسلّحة. ومن أبرز المجموعات الكردية المعارِضة لإيران، وأكثرها تنظيماً، «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي أعلن في أواسط عام 2016، أنه دخل في حرب مسلّحة مع الحكومة الإيرانية. وقال هذا الحزب، في بيان آنذاك، إنه، بعد سنوات من النشاط المدني بهدف «إرغام الدولة على الرضوخ لمطالب المجتمع»، توصّل إلى نتيجة مؤدّاها أنه يجب أن يستخدم «الأشكال المختلفة للنضال، بما في ذلك النضال العنفي».ولكن في الوقت ذاته، لم تكن أراضي «كردستان العراق» مكاناً آمناً تماماً للقوى الكردية الإيرانية. فقبل حوالى شهرين، أعلن «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، في بيان، أنه تمّ العثور على جثّة موسى بابا خاني، عضو اللجنة المركزية للحزب، في إحدى غرف فندق «غولي سليماني» في مدينة أربيل. وعدا الهجمات المتفرّقة التي شنّتها قوات الحرس الثوري ضدّ مواقع المجموعات الكردية في إقليم كردستان، فقد استهدفت، في أيلول 2018، مقرّ قيادة «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في كوي سنجق، في كردستان، بسبعة صواريخ من طراز «فاتح»، قُتل على إثرها 16 من قيادات «الحزب الديمقراطي» وكوادره، ممّن كانوا يحضرون في ذلك اليوم اجتماعاً، كما أصيب نحو 40 آخرين. وأعلن الحرس الثوري، حينها، أن هذا الهجوم جاء ردّاً على الهجوم المسلّح الذي شنّته هذه المجموعة، قبل شهرين، على مخفر حدودي في مدينة مريوان الإيرانية، وراح ضحيّته 10 من حرس الحدود. وشنّت القوات العسكرية الإيرانية، خلال السنوات الماضية، هجمات أقلّ كثافة واتّساعاً على مقارّ المجموعات الكردية المعارِضة لطهران في «إقليم كردستان»، بيد أن الجولة الجديدة من الهجمات تُشنّ بصورة مستمرّة وأكثر ضراوة. وفي هذا الإطار، قال الحرس الثوري إنه استخدم في الهجمات على مقرّات الأكراد الإيرانيين مُسيّرات انتحارية وقتالية، وكذلك «المدفعية الذكية والدقيقة».
لكنّ التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامّة للقوّات المسلّحة الإيرانية، الفريق محمد باقري، يوم الأحد الماضي، بشأن العمليات العسكرية في «إقليم كردستان»، أضفت المزيد من الأهمية على هذه التطوّرات، حيث قال: «لقد نصحنا قادة إقليم شمال العراق ومسؤولي الحكومة العراقية بأن يقوموا بإزالة هذه المجموعات الإرهابية، ويمنعوا نشاطاتها، وطبعاً هذا الطلب يُطرح منذ عدّة سنوات، لكنّ المؤسف أنه لم يوضع موضع التنفيذ». وأضاف أنه «إن استمرّ وجود هؤلاء وممارساتهم الخبيثة، فإننا سنقوم من خلال تكرار وتوسيع نطاق عمليّاتنا بتدميرهم لكي يلملموا أغراضهم ويحزموا حقائبهم ويرحلوا». وجاء هذا التصريح بعدما كان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، قد شدّد، قبل أسبوع من ذلك، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في طهران، على ضرورة «نزع السلاح» و«الطرد السريع» للمجموعات المسلّحة المعارِضة للجمهورية الإسلامية من «إقليم كردستان». وفي أوّل رد فعل رسمي عراقي، أعربت هيئة الأركان العامّة، في بيان يوم الثلاثاء، عن دهشتها من تصريحات باقري، معتبرة أنها «غير مبرّرة». وفي الوقت ذاته، أشارت الهيئة إلى «التعاون» و«حسن الجوار» في العلاقات بين البلدين. وقالت إن «العراق يعارض بقوة أيّ استخدام لأراضيه كمنطلق لشنّ هجمات على الجيران، ويتمسّك بمبدأ حسن الجوار والعلاقات الودية مع الدول الجارة، ويؤكّد بلغة أخوية، ومن خلال التعاون في العلاقات المشتركة، ضرورة التزام الجميع بذلك».
وفي سياق متّصل، أفاد مصدر مقرّب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، «الأخبار»، بأن «العمليات العسكرية للحرس الثوري تتّسم هذه المرة، وعلى النقيض من المرّات السابقة، بالاستمرارية»، مضيفاً أن «هدفها لا يقتصر على تقليص المخاطر واحتمالات شنّ المجموعات المعارضة هجمات، بل مواصلة الهجمات العسكرية حتى زوال المجموعات المعارِضة للجمهورية الإسلامية في إقليم كردستان». وأكّد المصدر أن «إيران لا تتحمّل وجود المجموعات المعارِضة والانفصالية في دول الجوار». وكانت الضغوط قد تزايدت، خلال عامَي 2011 و2012، على مجموعة «المنافقين» (المصطلح الذي تُطلقه إيران على «مجاهدي خلق»)، إبان عهد حكومة نوري المالكي في العراق، ما اضطُرّ تلك المجموعة المعارِضة للانسحاب من معسكر «أشرف»، الذي خُصّص لها في عهد صدام حسين، في محافظة ديالى شرقي العاصمة العراقية بغداد. وهذه المرّة، تريد طهران، من خلال تكثيف إجراءاتها العسكرية، وبالتعاون مع الحكومة العراقية، وحكومة «إقليم كردستان»، أن تضع نهاية لوجود المجموعات الكردية المعارِضة لها في المناطق الحدودية.