في موازاة اشتغالها على هندسة شكلٍ لا يعارضه «المجتمع الدولي» لحُكمها، تجلّي التسريبات التي تتأتّى تباعاً عبر وسائل الإعلام المحلية والغربية، رغبة حركة «طالبان» في الإمساك بالسهم الأكبر من السلطة، فيما تُواصل التفاوض مع خصومها على بقية الحصص، محاوِلةً ترجمة واقع سيطرتها على الأقاليم والمناطق الأفغانية، وصولاً إلى استحواذها على العاصمة كابول، منتصف آب الجاري، بفعل الانهيار الشامل للمؤسسات التي أرساها الاحتلال الأميركي على مدى عقدين من الزمن. وفيما لا تزال التطمينات حيال «طالبان الجديدة» السِّمَة الأبرز لـ«صعود» الحركة، يبدو الرهان على استتباب أحوال البلاد، في ظلّ كثرة اللاعبين الإقليميين والدوليين، محفوفاً بالمخاطر.وبعد رفضها المُطلق تمديد مهلة انسحاب القوات الأميركية، تسارعت، اعتباراً من الإثنين، وتيرة إجلاء الرعايا الغربيين والمتعاونين الأفغان وعائلاتهم في ظل اقتراب الموعد النهائي للانسحاب في نهاية الشهر الجاري. مع هذا، تواصل «طالبان» التنسيق مع واشنطن لإدارة عمليات الإجلاء، إذ كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن لقاء «سرّي» عُقد، أخيراً، بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، ورئيس المكتب السياسي للحركة الملّا عبد الغني برادر، هو الأرفع الذي يجمع الجانبين منذ استحواذ «طالبان» على السلطة. لقاءٌ قالت شبكة «سي إن إن»، نقلاً عن مسؤول أميركي، إنه تناول «وجهات النظر في شأن ما يجب القيام به بحلول 31 آب»، في حين ذكرت مصادر أخرى أنه بحث موعد خروج القوات الأميركية من أفغانستان، وعمليات إجلاء المواطنين الأميركيين والمتعاونين الأفغان من مطار كابول. في الوقت ذاته، تواصل السلطات الجديدة مساعيها إلى تشكيل نظام يقود البلاد، إذ عيّنت وزراء بالوكالة، فيما تعمل على تشكيل مجلس حكم يتألّف من 12 عضواً، وفق ما كشفته مصادر مطّلعة لمجلّة «فورين بوليسي»، لافتةً إلى أن أبرز القادة في المجلس المُرتقب، هم: الملّا عبد الغني برادر، والملّا محمد يعقوب، نجل مؤسّس الحركة الملّا محمد عمر، وكذلك خليل حقاني الذي تُنسَب إليه الاستراتيجية العسكرية التي قادت إلى سيطرة «طالبان» على البلاد، فيما يُحتمل أن يضمّ أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، الذي يقود نواة معارضة في شمال شرق البلاد لإطاحة «طالبان». وفي الإطار نفسه، يواصل قادة الحركة إجراء محادثات موسّعة لتشكيل حكومة، بدأت ملامحها تظهر مع كَشْف وكالة «بجواك» للأنباء، أمس، عن تعيين جول أغا وزيراً للمالية، وصدر إبراهيم قائماً بأعمال وزير الداخلية، ونجيب الله مديراً للاستخبارات، والملّا شيرين حاكماً لكابول، وحمد الله نعماني رئيساً لبلدية العاصمة. وسيكون لاعتراف دول أخرى بحكومة «طالبان» عواقب مهمّة، من مثل السماح للحركة بالحصول على المساعدات الأجنبية التي كانت تعتمد عليها الحكومات الأفغانية السابقة في ظلّ الاحتلال.
أعلنت روسيا استعدادها للوساطة في حلّ الأزمة في أفغانستان


وبينما يكثّف الأميركيون جهودهم لإجلاء آلاف الأفغان والأجانب من كابول في أسرع وقت ممكن بعدما حذّرت حركة «طالبان» من أنها لن تسمح باستمرار هذه العمليات إلّا لأسبوع واحد، بدأ الكونغرس تحقيقاته لمعرفة أسباب إخفاق الولايات المتحدة في أفغانستان. وللمرّة الأولى منذ سقوط كابول، مَثل كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأميركية أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب المؤلّفة من 23 عضواً (13 ديمقراطياً و10 جمهوريين)، التي لم تحصل على إجابات شافية لكل الأسئلة المتعلّقة بالفشل الاستخباراتي في توقّع ما شهدته الأسابيع الأخيرة في أفغانستان. وفي حين ظلّت وقائع الجلسة سرية، تحدّث رئيس اللجنة، النائب الديمقراطي آدم شيف، بعد انتهائها، عن أن «هذه مجرد البداية، فلدينا أسئلة مختلفة، وسنعرف في عدّة جلسات مع كبار مسؤولي العديد من الأجهزة الاستخبارية تقييمهم للأوضاع داخل أفغانستان خلال الأسبوعين الأخيرين، وخلال الـ20 عاماً الماضية»، مشيراً إلى أن «تقييماتهم كانت متشائمة حيال مسار الأحداث في أفغانستان خلال الأشهر الستة الأخيرة، لكن لم يتوقّع أحد الانهيار بهذه الطريقة وبهذه السرعة». وفي الوقت ذاته، طالب أعضاء جمهوريون، «البنتاغون»، بتفصيل خططه لاستعادة أو تدمير الأسلحة الأميركية التي تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات، والتي يُخشى أن تكون قد وقعت في أيدي مقاتلي حركة «طالبان» عقب انهيار الجيش الأفغاني. وفي رسالة وجّهها النائبان جيمس كومر وجلين فروثمان، إلى وزير الدفاع لويد أوستن، هاجم العضوان الجمهوريان إدارة بايدن، واعتبرا أن استيلاء «طالبان» على أسلحة أميركية يُمثّل نتيجة مباشرة للانسحاب الأميركي من أفغانستان الذي خطّطت له ونفّذته إدارة بايدن «بشكل سيئ. والأسوأ من ذلك، أن إدارة بايدن ليس لديها أدنى فكرة عن كمّيات الأسلحة التي حصلت عليها الحركة».
في هذا الوقت، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده والصين والولايات المتحدة وباكستان مستعدّة للوساطة في حلّ الأزمة في أفغانستان، قائلاً: «لا نزال ملتزمين بمهمّة إرساء السلام والاستقرار على أرض أفغانستان حتى لا تشكّل أيّ تهديدات للمنطقة»، مشيراً إلى أن موسكو تعارض فكرة السماح للاجئين الأفغان بدخول منطقة آسيا الوسطى، الواقعة بين روسيا وأفغانستان أو نشر قوات أميركية هناك. وأضاف: «إذا كنتَ تعتقد أن أيّ دولة في آسيا الوسطى أو في أيّ مكان آخر تريد أن تصبح هدفاً حتى يتمكّن الأميركيون من تنفيذ مبادراتهم، فأنا أشكّ حقاً في أن هناك أحداً يريد ذلك».