سرعان ما وافقت الصين وروسيا على الدخول المفاجئ للولايات المتحدة إلى آسيا الوسطى؛ إذ كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أوّل زعيم عالمي يتّصل بالرئيس جورج بوش في أعقاب هجمات 11 أيلول، ليقدِّم دعم بلاده للحملة في أفغانستان. وفي اللقاء الذي جمعه إلى بوش في تكساس (تشرين الثاني 2001)، أكد بوتين أنه ليس قلقاً إزاء استخدام الولايات المتحدة لوجودها العسكري الجديد سعياً وراء نفوذ جيوسياسي إضافي. في ذلك الوقت، اعتبر الرئيس الروسي الشراكة مع الولايات المتحدة فرصةً لتحويل موسكو إلى لاعب عالمي مهمّ ومحاور إقليمي. من جهتها، وافقت الصين أيضاً على الوجود العسكري الأميركي، واستخدمته لإعادة تشكيل مجموعات الإيغور في شينجيانغ باعتبارها فروعاً لـ«القاعدة»، وبالتالي أهدافاً مشروعة للحرب على الإرهاب. لذا، امتثل المسؤولون الأميركيون ووافقوا على طلب بكين إدراج حركة «تركستان الشرقية الإسلامية» في لائحة الإرهاب.
استغلّت الصين وروسيا التوترات بين واشنطن وحكومات دول آسيا الوسطى لتطوير مؤسساتهما الخاصة في المنطقة
في غضون أشهر قليلة، بدا أن التدخّل العسكري أعاد تشكيل آسيا الوسطى الكبرى. بضربةٍ واحدة، هَزمت واشنطن حركة «طالبان»، ووسّعت وجودها الإقليمي، وأقامت سلسلة من الشراكات الأمنية الجديدة، بفعل دعم دول آسيا الوسطى لـ«التحالف الدولي» في أفغانستان. لكن هذا الموقف المتفائل لن يدوم طويلاً. شكّل التدخل الأميركي ذروة نفوذ واشنطن في أوراسيا. وبعد إطاحة «طالبان»، بدأ المسؤولون الأميركيون يواجهون تناقضات متأصّلة في شأن وجودهم الإقليمي الأوسع. اصطدمت ضرورة الحفاظ على الشراكات الأمنية مع حكومات آسيا الوسطى، مع الرغبة في تعزيز الحقوق السياسية الأساسية وتحسين الحكم. كما دفع الوجود العسكري الدائم للولايات المتحدة، الصين وروسيا، إلى تطوير مؤسسات ومعايير وممارسات منافِسة، بما في ذلك المنظّمات الأمنية من مثل «منظمة شنغهاي للتعاون»، و«منظمة معاهدة الأمن الجماعي».
وفي محاولة لتقليص نفوذ الولايات المتحدة في آسيا الوسطى، استغلّت الصين وروسيا التوترات بين واشنطن والحكومات الإقليمية لتطوير مؤسساتهما الخاصة في المنطقة. فوسّعت روسيا أنشطة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، وأنشأت قاعدة جديدة قريبة من القاعدة الأميركية في ماناس، وتوصّلت إلى اتفاق مع طاجيكستان لنشر أكثر من 5000 جندي على أراضيها. كما أثارت الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتحفيز التنمية الاقتصادية الإقليمية من خلال ربط أفغانستان بآسيا الوسطى وجنوب آسيا، ردَّ فعل عنيفاً. هذه الطموحات النبيلة أدّت فقط إلى تسريع المشاريع المضادة المدعومة من الصين وروسيا، والتي كانت أكثر واقعية ومموّلة بشكل أفضل. لم يكن من قبيل المصادفة أن أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مبادرة «الحزام والطريق» في عام 2013، من جامعة نزارباييف في كازاخستان. وكجزء من المبادرة، تواصل الصين استثمار مليارات الدولارات في خطوط الأنابيب والطرق والسكك الحديدية الجديدة لربط آسيا الوسطى بغرب الصين. روسيا، من جانبها، عجّلت بمبادرتها الاقتصادية الإقليمية، «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي».
في هذا الوقت، تعمل بكين وموسكو على تنسيق سياساتهما المتعلّقة بأفغانستان. لقد تفاوضت كلتاهما مع «طالبان» التي يبدو أنها ترحّب بالمشاركة الخارجية، حيث تسعى إلى الحصول على اعتراف دولي. وبعد فرار مئات الجنود الأفغان إلى طاجيكستان الشهر الماضي، زار وفد من «طالبان» موسكو لطمأنة المسؤولين الروس إزاء احترام الحدود الدولية وضمان أمن المسؤولين والبعثات الدبلوماسية في أفغانستان. وفي الموازاة، أعلنت «طالبان» أنها ترحّب بالاستثمارات الصينية وجهود إعادة الإعمار، في مقابل دعم حملة بكين على مناطق شينجيانغ الحدودية. يمكن للصين وروسيا، الآن، استخدام احتمال الاعتراف الدولي بحركة «طالبان» وإزالتها من قائمة الإرهاب التي أقرّتها الأمم المتحدة، كوسيلة ضغط لانتزاع ضمانات لأجندتهما الإقليمية. تقدِّم أفغانستان لشي وبوتين ساحةً أخرى لتوسيع شراكتهما الاستراتيجية، ومتابعة برنامج مشترك من المبادرات الاقتصادية والأمنية.
(ألكسندر كولي - «فورين أفيرز» بتصرّف)